بلا شك إن ولادة الفصائلية الفدائية قد جاءت تجاوزاً للعمل السياسي الفلسطيني ما قبل هزيمة حزيران عام 67، ودون ريب أن اندلاع الجيشان الانتفاضي في أواخر عام 87 قد جاء قفزة نوعية لما سبقه من نضالات في الأراضي المحتلة.
وفي سنوات الانتفاضة الكانونية تعززت قوى م.ت.ف، وانخرطت وتبلورت قوى الإسلام السياسي المقاوم.
وأسدل مسار مدريد – أوسلو الستار على الجيشان الإنتفاضي وانقسم الشعب الفلسطيني، وتشكلت سلطة فلسطينية في الضفة وغزة بما عليها من التزامات سياسية وأمنية.
اشتد ساعد حركتي حماس والجهاد وتنامى وزن حزب التحرير الإسلامي إلى أن حصلت الأولى على 44% من الأصوات في انتخابات القائمة النسبية عام 2006 فيما الاستطلاعات تعطي الثاني بين 3-4%، أما الثالث فقد حشد في أحد مهرجاناته نحو 20 ألف.. بما يسمح بالقول أن الإسلام السياسي بتلاوينه بات يقترب من نصف الخارطة السياسية، مدعوماً بمعارك كبرى قادها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أعوام 2008 و 2012 و 2014.
وعليه، لقد تراجع وزن منظمة التحرير وفصائلها، علاوة على التباعد السياسي بين قواها التي وقعت على اتفاق أوسلو والتي ناهضته.
ورغم النموذج المقاوم الذي سجله قطاع غزة بقيادة حماس، عانى القطاع من حصار خانق وتدهور اقتصادي ومعيشي. واليوم تدأب المخططات، من خلال بوابة :الإعمار” لإمتصاص وتبديد مأثرة الصمود الأسطوري للشعب ومقاومته وما انطوت عليه من أبعاد قتالية وثقافية ومعنوية.
قصارى القول، لقد نهض الشعب الفلسطيني، وكانت معركة الكرامة 68 مفصلاً وكذا حرب بيروت 82 والانتفاضتين، جنباً إلى جنب مع معمعان الحركة الأسيرة حيث اعتقل نحو ثلاثة أرباع مليون. غير أن مسار أوسلو لم يفض إلى كيان فلسطيني مستقل أو دولة حسب التوقعات الأكثر تفاؤلا لمن انحازوا له.
ورغم مظاهر النمو في غير ميدان وميدان، سيما في الضفة، والانفاق على ثلث قوة العمل في غزة، وعودة نحو 300 ألف فلسطيني من الخارج… فالبطالة لا تقل عن 30% والفقر لا يقل عن 40% “ومساعدات” خارجية، غير ثابتة، تصل 50% من موازنة السلطة و 80% من موازنة ما يسمى “المجتمع المدني”. أما خيار المقاومة وما ارتبط بها من ثقافة وقيم لما افترقوا عن مسار أوسلو، فمعاركهم وتضحياتهم واشتباكهم العنيف مع مشروعات الاحتلال، لم تحرر وطناً أو تحمي أرضاً من المصادرة أو قدساً من التهويد…
من العدمية استصغار شأن “الثورة المعاصرة” بفصولها ومراحلها، فهي قد كرست وجود الشعب الفلسطيني بعد تشتيت وتجنيس وبرهنت على عبقرية الوجود رغم الرياح العاتية من كل الاتجاهات، وكرست الهوية الوطنية واغنتها، وراكمت خبر وارادات وكادرات وحضور دولي وحافظت على اشتباك تاريخي…الخ.
والسؤال الآن: كيف يمكن الاتكاء على منجزات هذه المسيرة المتشعبة لتركيم المزيد من النجاحات على طريق الاستقلال والعودة والتنمية والديموقراطية؟
يغلب الظن أن تجاوز الحالة الفلسطينية الراهنة المأزومة هو الشرط الذي لا مهرب منه، فهو وجوب لزومي. والتجاوز مسألة إبداعية وأول متطلباته هو ظهور جيل جديد من القيادات، اداء جديد، رؤيا جديدة، وقدرة على التجاوز في مختلف الميادين. فهل الشعب الفلسطيني بمركباته السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بلغ المنعطف الذي يؤهله لتجاوز المنظومة الراهنة؟ وما هي آلية أو آليات ذلك؟ أسئلة تستحق التفكير والإجابة.