قال الحراك الشبابي كلمته الصارخة المعمدة بالدماء, فصنع مقطعاً ميدانياً, وحافظ على استمراره نحو ثلاثة أسابيع حتى اللحظة, لم يكن فاعلاً ميدانياً فقط, بل وفاعل واعي أيضاً, فلم يكن فقاعة تنتفخ وتنطفئ في لحظة, وثمة حيوية وديناميات في هذا الحراك تزيح عنه احتمالية خبّوه قريباً, ذلك أن المحركات التي أوْقدت شعلته على حالها بل وزادها توقداً الثمن الذي دفعه من شهداء وجرحى ومعتقلين.
وتتشابك هنا الشروط الموضوعية, سيما سياسات الاحتلال التي تستبيح كل ما هو فلسطيني, وعقلية ” العربي يخضع للقوة” كما جاء في كتاب نتيناهو “مكان تحت الشمس” وخطابات سابقة لوزير الجيش, رئيس الحكومة الأسبق باراك, إلى درجة الظن أنه يمكن تبديد اليقظة الوطنية الفلسطينية وتصفية الحقوق الوطنية.
كما انغلاق الأفق السياسي وقد تبخر وهم أن مسار المفاوضات الذي أستمر ربع قرن , سوف يفضي لاستقلال أو نصف استقلال أو مجرد وقف التوسع الاستيطاني الكولونيالي القافز الذي حول القدس الشرقية إلى مجرد معازل عربية محاطة بأسيجة يهودية, وتجارة مشلولة وأقصى منتهك.والضفة الفلسطينية إلى عشرات القطع التي تفصلها الشوارع الالتفافية وتحاصرها المستعمرات والجدار ووضع اليد على الأغوار, وتجويع غزة وخنقها وتدميرها في ثلاثة عدوانات في أقل من عقد من الزمن, ناهيكم عن استثناء اللاجئ الفلسطيني في الشتات ( أكثر من 6 مليون) والتجمع الفلسطيني في 48 ( أكثر من 1.5 مليون) من أي بحث, وهذا الأخير يواجه مشروع برافر في النقب وتمييز عنصري وصل حد أن يشكل 18% من السكان بينما يحوز على 2% من الأرض و 3% في الجامعات بلا ميزانيات تطوير للسلطات المحلية أو مجرد الاعتراف بخصائصه الجماعية.
أما العامل الذاتي الأهم, فهو اتساع قاعدة العنصر الشبابي من الفئة العمرية بين 16-26 سنة بما يزيد عن المليون بينهم 200 ألف طالب وطالبة في جامعات الضفة وغزة, وأكثر منهم في على مقاعد الدراسة الثانوية ونسبة بطالة تفوق 40%, وهذا الجيل كان الفصيلة الأكثر فعالية في الانتفاض التونسي الذي أطاح بابن علي والانتفاض المصري الذي أطاح بمبارك, وقد فشلت ثقافة العولمة في تذريره وتغطيسه في اهتمامات استهلاكية وتافهة… الأمر الذي ينسحب على الأراضي الفلسطينية, وعلى رأي لينين ” أن حزبنا حزب الشباب والمستقبل ملك الشباب والشباب أول من يبادر إلى التضحية” بما يحمله الشباب من تطلعات وطاقات وأحلام, دون انتظار استعدادات أو قرارات القوى السياسية, فاندفع إلى نقاط التماس والمواجهة في أعمال فردية ومبادرات قاعدية, منها المؤطر وغير مؤطر ولكن بدوافع تحريرة.
وهذا الجيل يستند إلى تجمع فلسطيني مكون من 5 مليون في الضفة وغزة, وشعب يناهز 13 مليون وإرث غني في سجون الاحتلال من بينه 6 آلاف أسير اليوم, ومطلبه بالحرية هو مطلب أصيل وعادل, (أنكم أعدل قضية على الأرض, و أغبط المرأة الفلسطينية فهي الوحيدة التي تزغرد على استشهاد ابنها) قال رئيس اتحاد الكتاب التركي الأسبق للدكتور جورج حبش.
وحقائق تاريخية تؤكد اقتلاعه عام 48 وتعرضه للاحتلال عسكري عام 67 وهذا حال قرارات الشرعية الدولية, ولم تنجح كل محاولات جوهْرة الفرعي وتفريع الجوهري وتضليلات “الحكم الذاتي” في تغيير ما هو مركزي في الهوية الوطنية والحقوق الوطنية.
الحراك الشبابي الميداني أمام تحديات ثلاثة
معروف أن التاريخ لا يكرر نفسه, و ليس ثمة كاتالوج واحد للانتفاضة أو الثورة أو أي تغيير جذري, ولكن ثمة قاعدة لا مناص منها, بأن صفة جماهيري هي صفة بنيوية في الانتفاضة أو الثورة أو التغيير الجذري, وهذه أحدى فوارقها عن تحريك أو مظاهرة… مثلما أنها تمتد زمنياً بما يشكل قاعدة ضغط لتحقيق أهداف كبرى, سيما في الحقل السياسي.
ويمكن القول أن الحراك الشبابي في الضفة الفلسطينية, هو أقرب لاشتباك ميداني في نحو 60 موقع, علاوة على المبادرات الفردية والنخبوية, وبضعة مواقع على حدود قطاع غزة, وهو يكتسب مشاركة جماهيرية ملحوظة في بيوت العزاء وجنازات الشهداء التي يصاحبها إضراب جماهيري على نطاق المحافظة أو البلدة, أما في 48 فقد عم إضراب جماهيري عام وتحشدات في سخنين بمشاركة عشرات الآلاف.
-ويكمن التحدي الأول في قدرته على الاستمرار بما يقتضيه من جهد ميداني وامتصاص لإجراءات الاحتلال.
-أما التحدي الثاني فيتجلى في استمالته قطاعات جديدة سيما في مراكز المدن ( تحشدات ومسيرات) و الأرياف, أي انخراط القوى السياسية بما يجسر الفجوة بين الميدان الشبابي والمستويات السياسية, وهذا ممكن إذا كفت القوى عن الانشغال بتعريف الفعل الشبابي وانخرطت فيه ولو في حدود مسيرات حاشدة في المدن بعيداً عن نقاط التماس سواء في الضفة أو غزة, لما يحمله ذلك من أبعاد سياسية ومعنوية.
– والتحدي الثالث هو تركيم خبرة كادرية واجتذاب كادرات إضافية لبلورة تركيب ميداني قيادي.
الفصائل الفلسطينية تتعرض لانتقاد مبالغ فيه وتسخيف ينكر الحقائق
إن المربع الذهبي لقيادة السلطة في الضفة أو غزة أن لا تسعى لقيادة الغليان أو قمعه… ففي الضفة تمنعها التزاماتها وفي الحالتين لم يتم اصطفاء شخوصٌ لمثل هذا الدور, بل ويفيدنا فلسطينياً أن نعمق من الطابع التكنوقراطي للسلطتين تمهيداً لتوحيدهما في إطار دور مدني حياتي, أما الحيز السياسي فيناط بالشعب وقواه.
ويلاحظ نقد “الميدان” للمستويات السياسية العليا, علماً أن “الميدان” يجمع في صفوفه, وهذا حال شهدائه ومعتقليه نسبة لا تقل عن النصف من النشطاء المؤطرين , بما فيهم أسرى سابقين, ويمكن تقليص النقد فيما لو جرى تنظيم مسيرات كما أسلفنا, بل ومن شأن ذلك, أن يخلق ديناميات إضافية.
وطالما أن ثمة فجوة بين “الميدان” و “المستويات السياسية” فمن الضرر أن يقوم هؤلاء بتصدير نداءات إرشادية كما حصل في الانتفاضة الكانونية في أواخر الثمانينيات, فحينها كان هؤلاء بدرجاتهم مستهدفون ويضطلعون بدورهم.
لكن أن تصل أوساط في الطبقة الوسطى حد السخرية من الفصائل بعجرها وبجرها وكيل شتى الاتهامات والاحكام ( انتهت,عاجزة…) فهذا يرقى إلى مستوى إنكار الحقائق من نوع من الذي تصدى للعدوانات على غزة؟, من الذي يتعرض للاعتقال ويملأ سجون الاحتلال؟,هل يوافق الميدانيون على نزع انتمائهم الفصائلي؟, وكيف يمكن الانتقال من “الشبابية” إلى الجماهيرية؟, والجانب الآخر هل هذه الأوساط “النقدية” تساهم في “الميدان” والتضحيات أكثر من سواها؟.
دون التقليل من أهمية النقد وضرورته, ولكن على أرضية الاستجابة لمطالب المقطع الميداني المتنوعة لا توسيع تراشق الاتهامات التي لا تضيف وعياً ولا تشحن عزيمة.
بلا شك, ثمة أزمة وإخلالات بنيوية, ولعل الدرس الحالي يساعد على إيجاد نقطة انطلاق جديدة.
وأكثر الأبعاد التي ينبغي إعادة صياغتها, البنية التنظيمية لحركة التحرر بما يكفل تجديد جذري لجهة العنصر الشبابي, وكذلك الفكر السياسي والرؤية التنموية ووحدة الشعب والهدف.
إنجازات أحرزها اشتباك أكتوبر
لم ينته الاشتباك, ومن غير المتوقع أن ينتهي قريباً, سواء كان محطة نضالية وحسب أو اتسع طابعه الجماهيري ليصبح انتفاض شعبي يصل بالتناقض حد الاستعصاء, فقد حصد في شهره الأول ما يلي :
1) تأكدت وحدة الشعب بمشاركة كافة تجمعاته.
2) أعيد الاعتبار لشعار الوحدة الميدانية رغم الانقسام السياسي والتنازع على القيادة والقرار.
3) قال الفلسطيني لا بعد فترة من التراخي والتخدير ووصلت رسالته للعالم وعادت القضية الفلسطينية للمشهد بعد طول تضليل.
4) ظهر جيل جديد لا يعترف بميزان قوى ولا اتفاقات لم يوقعها ولا يهاب التضحية ولا يرتهن لأبوية سياسية ولا يشغل باله مناصب أو منافع وهذا يحمل بشارة لم تتضح معالمها بعد.
صحيح أن للنضال ثمن وللمعارك خسائر, ولكن حجم الخسائر لم تصل درجة يمكن تثميرها سياسياً, وإن كانت قد شقت درباً يحمل على الاعتقاد ” أن الفلسطيني لا يخضع للقوة” ” فشعب فلسطين سيظل يناضل جيلاً بعد جيل إلى أن تتحرر فلسطين” كتب الشهيد عبد القادر الحسيني.
رغم أن الاشتباك لم ينفك في طوره الأول, وهو ينتقل بتسارع لطور ثانٍ في انتفاض شعبي, ولكن يمكن تثميره سياسياً على النحو التالي :
تجاوز “أوسلو” وانتخاب مجلس وطني جديد
ثبت بما يكفي من براهين أن اتفاق أوسلو لم يقد لحل سياسي ولم يفضِ لاستقلال وطني أو سلام أو استسلام, بل وانقسمت الساحة الفلسطينية عمودياً وتفككت وحدة الشعب والخارطة والحقوق وتضاءلت قوى وصعدت قوى وكانت أحدى تمظهراتها اقتتال غزة وانقسام السلطة إلى سلطتين و الكيان إلى كيانين وانفلات ثقافة من الكراهية لم يعرفها الشعب من قبل.
ولئلا نعود إلى المربع الأول, أنا صح وأنت خطأ, مصلحتي لا مصلحتك, شرعيتي لا شرعيتك, يفيد أن يقفز العقل القيادي الفلسطيني عن الخلافات المستعصية من طراز “أوسلو” والمفاوضات من جهة ورفض “أوسلو” وخيار القتال من جهة أخرى….بالانشداد للحظة الراهنة ودرسها, الأساس الوحدة الميدانية على غرار الوحدة الميدانية في حرب المخيمات 83-1985 وإضرابات الحركة الأسيرة.
والذهاب للآلية التي يسهل معها تجاوز “أوسلو”, أي انتخاب مجلس وطني فلسطيني كما تم الاتفاق عليه في اجتماع عمان 2012, انتخاب مجلس لا عقد دوره للمجلس الحالي الذي هو طرف في الأزمة الداخلية, وموازين القوى والميل العام في كافة الفصائل والأوساط الفاعلة تسمح بالقول أن النتائج المحتملة ستجيب على معضلة التزامات “أوسلو”, حتى أن الدورة الأخيرة للمجلس المركزي كانت أقرب لذلك, وبالتالي الوصول لتوجهات جديدة تفتح في المجال تجاوز “أوسلو”.
ويمكن تثمير الفعل الانتفاضي باتفاق فلسطيني حقيقي ينص على انتخاب مجلس وطني في لحظة لا تكون على حساب الفعل الانتفاضي بل سنداً له, ذلك أن الأولية اليوم للمقطع الميداني, فهو الحلقة المركزية التي يتعين سكب الجهد الأساسي فيها.
بين الأهداف التحريرية والأهداف “الانتفاضية”
لا ينبغي الخلط هنا, وفي ذاكرتي نقاشات قيادية في الخارج عام 1988 بين من نظر حينذاك للانتفاضة كفرصة “لتحرير فلسطين” وبين من دعا لتحقيق الهدف المرحلي بالعودة وتقرير المصير والدولة, ومنهم من أعتبر أن الدولة “على الأبواب” يتعين استثمارها سياسياً, وهذا كله موثق, وهناك في الداخل من قال بأن الانتفاض محطة نوعية يمكن أن تؤسس لمرحلة أعلى, وانعقد مدريد الذي قاد “لأوسلو” والنتائج معروفة!!.
صحيح أن الفعل الميداني يوجب إعادة صياغة للفكر السياسي والصيغ التنظيمية, ( هذا يستحق مقالة منفصلة) ولكن تحرير الوطن وإنجاز الحرية والاستقلال شيء وما يمكن أن ينجزه الفعل الميداني في مستواه الحالي وصيرورته القريبة شيء أخر.
يواجه النهوض سياسات الاحتلال, ولكن هذه السياسات لم تتراجع بعد خطوة واحدة للوراء, بل وتذهب لمزيد من الإجراءات التصعيدية بما فيها الإعدام الميداني, بما هو شبيه بالاغتيال الممأسس لمئات الناشطين بين 2002-2005, سواء كان الدافع الفوبيا أو الهلع أو استشعار الخطر أو لمجرد العصا الغليظة, وقد سقط في غزة 17 شهيداً كونهم يلقون حجارة من مسافات لا تصل أهدافها, ومثلهم وأكثر جرت تصفيتهم أمام عدسات الكاميرا وعيون الناس فيما كان يمكن اعتقالهم أو تركهم لسبيلهم. وعليه, فالأهداف “السياسية” التي يمكن رفعها كناظم للنهوض:
1) وقف الاستيطان. 2) تفكيك الجدار. 3) رفع الحصار عن غزة. 4) إلغاء خطة برافر. 5) عدم المساس المباشر بالأقصى والعودة لترتيب ما قبل 2000. 6)وقف الإعدامات الميدانية. 7) إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى والمعتقلين الإداريين والأطفال والنساء….8) فرض حظر عسكري على “إسرائيل” بالأسلحة التي تستخدمها لتقتيل الفلسطينيين…..في تواشج مع مطلب الحماية الدولية التي تمهد لطرد المحتل بكافة تمظهراته.
وهذه الأهداف بداهة هي خطوة على طريق الحرية والأهداف الوطنية الكبرى, ولكن أياً كان منها لا يتحقق بإطلاق الشعارات في الفضائيات, بل بتوسيع الطابع الجماهيري. ولكن كيف؟
اجتناب الفخاخ السياسية
هذا حال السياسة, فهي “الصراع القومي والطبقي” لينين, وهناك مساع سوف تتقدم بها أطراف عديدة على غرار زيارة بان كي مون وكيري وما قيل عن اتفاق ( أمريكي-إسرائيلي-أردني_فلسطيني) بشأن الأقصى (مساحة الحوض المقدس 144 دونماً) و تململات اللجنة الرباعية وموغريني والفرنسيين…. ولن تكف الوفود الدبلوماسية والاتصالات العلنية وغير علنية… مع تفاوت الأهداف والمنطلقات وإن كانت تجمعها مفردة واحدة (التهدئة)…
والانطلاق من المطالب أعلاه كنظام للحراك يكفل عدم السقوط في فخاخ المساعي المريبة وإثارة البلبلة في صفوف الميدان, ولكن لا ينبغي أيضاً نكأ الجراح بإطلاق الاتهامات عشوائياً, إذ كلما تم لقاء أو أجري اتصال تلفوني وكان “مؤامرة” يجري تنفيذها, فالمناخ الفلسطيني العام, رغم كل النقد للمستويات السياسية العليا, لا يخفي ترحيبه بالنهوض, لأهداف متباينة واستثمارات متباعدة, ولكن ما يحمي النهوض أكثر هو البيئة الشعبية الحاضنة والمطالب الناظمة عندما تلتف حولها الجماهير, حينها تتحول لقوة مادية وسد من شأنه أن يصد أية رياح ملوثة.
ماذا تعنون بقيادة انتفاضية؟؟
في انتفاض أواخر الثمانينيات صدر النداء الأول للقيادة الموحدة بعد أسابيع, وقد تأكد طابعها الشعبي واستمرارها وانخراط الجميع فيها من قوى منظمة وغير منظمة, وحالياً لم يفت الوقت على تكوين مركز ناظم للفعل الميداني الحالي,ولكن ما هي الأولية ألان؟؟
هل هي في تداعي القوى السياسية لتشكيل قيادة انتفاضية؟ أم في انخراطها لإضفاء الطابع الجماهيري غير المسلح على الفعل الانتفاضي فيتحرر من كونه, اشتباك شبابي, وجسر الفجوة بين الميداني والسياسي؟
وهذا “السياسي” هل لديه رموزّ “انتفاضية” أم يعتقد أنه بمجرد اجتماع شخصيات وتحدث بعضها لوسائل الإعلام يصبح هؤلاء “الأمل الموعود” وأين سيكون مقر هذه “القيادة” أخذين بالحسبان أن سيف الاعتقال بالمرصاد.
لم يكن “للانتفاضة الثانية” التي غلب على معظم سنواتها الطابع النخبوي قيادة, بخلاف انتفاضة أواخر الثمانينات التي أتقنت الجمع بين قيادات ميدانية وسياسية, أم تعتقد المستويات العليا, أن المسألة تقليدية وما عليها سوى الاجتماع وإصدار النداء أو البيان لتندفع الجماهير إلى الشارع فيصبح الحال ” أجا يكحلها عورها”.
ثمة خطوات انتقالية لا مهرب منها قبل جسر الفجوة بين “الميداني” و “السياسي” مع عدم تبسيط المسألة بأن لدى “السياسي” “شرعية” استثمار الميداني وأن على الأخير الانضباط, كما حصل في التحليل الأخير بين مدريد وأوسلو.
ما المقصود بحكومة وحدة وطنية؟؟
يجري استنساخ هذا الشعار (حكومة وحدة وطنية) بأكثر من طريقة,والسؤال: متى؟ وهل ثمة أساس طالما أن الانقسام السياسي مستمر والصراع على القيادة والقرار مستمر وما أن يختفي حتى يظهر بوتائر أعلى موشحاً بمزيد من عدم الثقة, وماذا ستغير حكومة الوحدة الوطنية في النظام السياسي وما أصبح عليه معظم المستويات السياسية العليا؟؟, هل هذه إنقاذية للوطن وقادرة على استيعاب المرحلة الجديدة التي تتشكل في الشرق الأوسط؟؟ وهل ستخرج من تحت عباءة التزامات أوسلو أم أن تبايناتها السياسية ستفجرها دون انتظار طويل وقت مثلما حصل في اتفاق مكة وما نتج عنه.
“الذي يجرّب المجرب عقله مخرب” لفتني هذا المثل الفلسطيني في غير خطاب أو مقابلة صحفية للدكتور جورج حبش…. فاستجابه للمقطع الميداني وما آلت إليه الأوضاع في النظام السياسي الفلسطيني بكافة مكوناته, باتت الحاجة ماسة لآلية تساعد على التجديد, وليس ثمة آلية أكثر نجاحاً من انتخاب مجلس وطني فلسطيني في الوقت المناسب بما يعيد الحيوية والوزن والفاعلية ل م.ت.ف وبالتالي إعادة تعريف السلطة كجهاز للشأن الحياتي المدني دون التزامات سياسية أو أمنية, فيما الحيز السياسي يناط بالفصائل والشعب والمجلس الوطني وما ينتج عنه.
وختاماً, سوف تتفاوت التطلعات السياسية كما تتفاوت تعريفاتها, ولكن الأكثر نجاعة هو الانشداد للمقطع الميداني فهو الركيزة المحركة ودونها يتحول كل الكلام لجعجعة دون طحين