• عن اتجاه
  • معايير النشر
  • اتصل بنا
اتجاه
  • الرئيسية
  • سياسة ومجتمع
  • ثقافة وفن
  • تلامذة
  • تدوينات
  • إصدارات الجريدة
  • دون تردد
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • سياسة ومجتمع
  • ثقافة وفن
  • تلامذة
  • تدوينات
  • إصدارات الجريدة
  • دون تردد
No Result
View All Result
اتجاه
No Result
View All Result

مداخلة في علم الاقتصاد

أحمد قطامش أحمد قطامش
11/15/2015
في سياسة ومجتمع

أصبوحة طيبة,,,,

أحدكم اقترح عليْ أن أذهب للاقتصاد فيما كنا نتمشى في الساحة أول أمس,في سياق حديثي حول العولمة. وهذا ذكرني بنصيحة الحكيم قبل نحو عقدين ويزيد ” علينا أن  نقرأ ريكاردو وأدم سميث و الكينزيه…” .

ولكي يكون الأمر جلياً,ليس ثمة  فرصة لفهم سياسي متسق دون فهم متسق لعلم الاجتماع , ولا متسع لفهم متسق لعلم الاجتماع دون فهم صحيح لعلم الاقتصاد,وهذه يتطلب منظوراً فلسفياً وخلفية فلسلفية. و أظنكم لاحظتم في “أمسيات الأكاديمية” أقصد سلسلة المحاضرات التي عرضتها مساءً قبل نحو شهرين أو ثلاثة حول النظر العقلي أو المنهاج, قد ذكرت غير مرة أهمية الفلسفة “كعلم العلوم” التي تحضر في خصوصيات كل علم . و بعضكم كان حاضراً في تلك الأمسيات.

ومثلما أن المجتمع بنية فالفكر بنية كذلك. ولكن في الجامعات المحلية والرأسمالية عموماً لا يدرسون الطلبة على هذا النحو, بل يفصلون الاقتصاد عن السياسة و السياسة عن الاجتماع , وعن الثقافة والتاريخ وهكذا وصولاً إلى فصل الفلسفة وجعلها مقولات يجري صياغتها في أبراج عاجية…وهذا يفتقد للرابط فيما بينها ولا يساعد في تكوين فهم علمي, بل تجزيئي, وهذا مقصود. أي تعمية الطلبة بدل توعيتهم.

أما في المدرسة الماركسية , فالأمر على نحو مغاير. ولا ازعم أنني في هذه المحاضرة سوف أجْسر المسافات و أستوفي الموضوع من كل جوانبه , وإنما سأكشف الترابط, ولكن بالتركيز على الاقتصاد, أو بصورة أدق على النظريات الاقتصادية, كونها عنوان المحاضرة . وفي النقاش أُضيف , وإذا عدنا لهذا الموضوع مرة أخرى سوف استفيض . وهذا مرهون بمدى تجاوبكم وجاذبية الموضوع لكم.

لا يجهل احد أن أكثر الموضوعات جاذبية لكم هي المتعلقة بالسياسة والتحليل السياسي , كوننا نعيش السياسة يوميا ونتنفس سياسة كل وقت . ولدى الجميع خلفية ما تجعله أكثر تفاعلاً .

ولكن كما نوهت ثمة بنية و الشخصية الفكرية التي نحاول تأسيسها أو تعزيزها داخل السجن هي شخصية فكرية شاملة أو على أقل تقدير غير مجتزأة . و دون ذلك لن تصمد قناعاتنا أمام طوفان النظريات و الإعلام و الأدوات التي تضخها الرأسمالية بانتظام ومنهاجية في عقول البشر عبر الوسائل المتنوعة والطاغية, كما لن تصمد أو بصوره أدق لن تستطيع أن تكون قوة تغيير في بنية فكرية وثقافية تقليدية وجبرية حملها الموروث لنا منذ مئات السنين وهو معشش في كل ما نتعلمه في المدارس وفي معتقداتنا والطقوسْ والتربية العائلية والتعبئة المثابرة للقوى السياسية المنحازة لهذه البنية بصرف النظر عن التفاوتات فيما بينها, ومدى الانفتاح والانغلاق في صفوفها, وإن كنت ألحظ أن التيار الأقوى والأكثر إنتشاراً هو الأقل انفتاحا على حرية العقل والحق بالتفكير وما نتج عن ذلك من معطيات معاصرة .

وهذه المعضلة يعاني منها الشرق الأوسط على نحو أخص وليس جنوب آسيا وأوروبا أو الأمريكيتيين أو معظم إفريقيا.

وطالما نتخنذق في جبهة القتال من اجل الحرية ومن اجل الحقوق الجماعية والفردية ومشروع انهاء استغلال الانسان لأخيه الانسان وإنهاء القهر القومي والجنسوي , بما يتطلبه ذلك من مشروع تنموي شامل ومستدام, فلا مهرب من بناء المحركات الفكرية في رأس كل واحد فينا , التي تشكل انتماءً وانحيازاً و قدرة سجالية مشفوعة باحلام كبرى للمستقبل .إننا دعاة تجاوز الحاضر والمضي للمستقبل , الذي صنعته شعوب أخرى, ولكن بخصائصها القومية .

و واقعنا العربي و الفلسطيني في غنى عن الشرح, وهو بحاجة ماسة , بل ضرورة وجودية , أن يشرع بعملية ثورية تهدم وتبني, تهدم كل ما يعيق وتبني كل ما يطلق الطاقات ويحرر الإنسان كفرد وجماعة.

من هنا أنطلق, ماذا سأقول في محاضرة ارتجالية أحرص أن تكون متسلسلة ما أمكن؟

وبالمناسبة, إذا كان أفلاطون قبل 2300 سنة تقريبا قد عّرف السياسة , ضمن حيثيات زمانه, ولمعت أسماء فلسفية إغريقية وصينية وهندية , في تلكم المرحلة وقبلئذ , فعلم الاقتصاد ليس واضحاً في مقولات المجتمع الإقطاعي و الرقّي , أو بصورة أكثر حسما في مرحلة ما قبل التحول الرأسمالي وحلول تشكيلة اقتصادية اجتماعية رأسمالية, تتوجت بعد إنتصار الثورة الفرنسية 1789 وتأسست جذورها مع الانتقال للصناعة في القرنيين الخامس عشر والسادس عشر ومنعطفها الأكبر بعد ذلك تزامناً مع الثورة الصناعية التي تكرست تماماً في القرنين التاسع عشر يما صاحبها من ثورة علمية واستكشافات وإختراعات وما نتج عنها بالتالي من نظريات باتت تدرس أكاديميا في الجامعات الأوروبية (كون أوروبا هي وطن الثورة الصناعية) والمجتمعات التي سارت على هذا الدرب في مختلف القارات, مع التفاوت الزمني فيما بينها , إذ عرفت المستعمرات, بما فيها المنطقة العربية تاريخاً مفوتاً تأخرت فيها التحولات البرجوازية الإقتصادية الإجتماعية ارتباطاً بفقدانها السيادة السياسية  و استثمار ثروات العرب في خدمة الأمة العربية . حيث جمدنا الزمن العثماني أربعة قرون ونهبنا الإستعمار الغربي بعدها وحرص على تجزئتنا , فلم نتحرر من هذا الإرث الثقيل حتى اليوم, وإن كنا تحررنا منه جزئياً. بل وضاعت فلسطين كأحد تجليات التخلف العربي بما فيه الفلسطيني وجرى تفتيت الأمة.

ولئن كانت  بدايات الصناعة قد ظهرت في ايطاليا, غير أن النهضة الصناعية الحقيقية انطلقت في بريطانيا. إذ أن نهوض الزراعة في القرن الثامن عشر في الأرياف تطلب آلات ومعدات وعقول الأمر الذي استدعى إنتاجات صناعية وتعليمية, وقد ارتبط ذلك بما راكمته بريطانيا من فائض المستعمرات, وهي الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, ومستعمراتها تشمل الهند في أقصى الشرق الى أمريكا الشمالية في أقصى الغرب, وما بينهما هنا وهناك.. فنهبت شركاتها ثروات الشعوب.

طبعا لقد ارتبط بهذا التحول الانعطافي ثقافة موازية, كالإدخار والدأب على العمل, ورحابة العقل الذي أستوعب المنجزات العلمية, جنباً إلى جنب مع الشعور بالتفوق (الشوفينية) والنظرة الإستعمارية التي لا تتورع عن إبادة الغير إذا لزم الأمر كما حصل مع البوشمنز في استراليا أو التقتيل الجماعي للأفارقة. كتب غارودي انه (تم قتل 20 مليون إفريقي) من قبل المستعمر الأوروبي اثناء اصطيادهم ونقلهم في شروط مميتة الى القارة الجديدة (امريكا) بعد إكتشافها من قبل كولومبوس و اميركو فيسبوتشي, وقتل 57 مليون من الشعوب الاصلانية في أمريكا.

وقد انتقلت أسرار الثورة الصناعية إلى معظم أوروبا عموما وبلدان أخرى كاليابان في اواخر القرن التاسع عشر, والذي شاهد منكم فيلم ذا لاست ساموراي يلاحظ ذلك, وذات الأمر ينسحب على روسيا القيصرية وإن كان بتثاقل وتباطؤ…أما العرب والصين والهند والمستعمرات في العالم الثالث (المحيط) فلم تبلغ هذا الشأو بعد بسبب” تقسيم العمل العالمي” أمم تتطور وتنتج وتستغل وتستعمر وأمم منهوبة مستعمرة بلا استقلال, انها الحقبة الإستعمارية .”مستعمر و مُستعمر”.

وفيما كانت اوروبا تصنع الآتها التي تصهر الحديد وتنتج النسيج وتوفر الفحم الحجري ثم الكهرباء وتصنع البواخر و القطارات بما تقتضيه من علم جامعي وأيدي عاملة ماهرة ولكن في أشق الظروف الانسانية, وتنهب بالتالي المواد الخام من المستعمرات بل والذهب والفضة والنحاس والأخشاب والقطن… وكل ما تحتاجه الثورة الصناعية, ومدنها المعاصرة المضاءة بالكهرباء وطبقاتها الاجتماعية الجديدة (البرجوازية-والطبقة الوسطى المتعلمة في الجامعات و الطبقة العاملة) كانت شعوب المستعمرات ترسف في العتمة والتخلف والزراعة البدائية والكتاتيب التعليمية والبنى الاجتماعية التقليدية من عشائر وقبائل وعائلة بطريركية وإمرأة محجوزة في الطبخ والنفخ….بما جعل ثروات أوروبا تتضاعف مرات ومرات وثروات الشعوب تتناقص وتندفع حكوماتها التابعة لطلب القروض.

والكلمة الفصل التي يتعين الانتباه لها : هي ترابط الثورة الزراعية بالثورة الصناعية. أي لقد خدم النهوض الزراعي النهوض الصناعي والعكس صحيح. فيما بقيت شعوب المستعمرات تلهث ليلاً نهاراً من أجل أن تلبي الاستثمارة الفلاحية البسيطة متطلبات الحد الأدنى من سبل الحياة. فالزراعة فلاحية و أشبه بالاقتصاد المنزلي اليوم, دون أن يتحول معظمها للسوق, ودون أن تحتاج طرائقها البدائية معدات حديثة… فيما كانت هذه الشعوب في مجملها فلاحين وبدو رحل أما مدنها فهي مدن صغيرة ونادراً كبيرة ولكن خدماتية  وليست صناعية ومعاصرة… حتى أن البنوك كمتطلب لم تعرفها هذه الشعوب, بينما بتدرج اتحد الرأسمال الصناعي بالرأسمال البنكي ليشكل الرأسمال,المال القوة القائدة للمجتمعات الرأسمالية في أواخر القرن التاسع عشر وما بعدئذ… والذي يقرأ كتاب لينين ” الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” يلاحظ ذلك. طبعا هناك كتابات أخرى. ولكن لينين كقائد ثوري وحزبي أبدع في رصده للتحولات الرأسمالية وانتقالها للمرحلة الإمبريالية.

معروف أن لكل تحول للأمام إيجاب وسلب كما حال كل ماهية و شيئ ولكن البلدان التي شقت طريق الثورة الصناعية أنما شقت طريق التطور والقوة… وما نتج عن ذلك من استعمار كما تفكك اجتماعي للبنية القديمة و..و..و.

هذه خلفية ولكن, ما هي أهم النظريات الاقتصادية التي استخرجت من الممارسة الرأسمالية ووجهتها؟ ذلك أن الممارسة الرأسمالية لم تكن عفوية, وهي لم تكن عاقراً, بل ثمة جدلية بين الفكر والممارسة, كما الحال دائماً.

أهم المدارس :

1) المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية, وتحديداً آدم سميث في كتابه الأشهر ثروة الأمم وريكاردو. والأول اسكتلندي الأصل. وقد ركز على المصلحة الشخصية للإنسان, ومن هنا دعا لأوسع حرية اقتصادية. وهو يعتبر إجمالاً أب الاقتصاد الحديث. وقد عكف عقد من الزمن لكتابه “ثروة الأمم”  الذي لم ينفك لهذا اليوم من أشهر الكتب وأكثرها أهمية.

وهو منظرّ الثورة الصناعية, أي لقد واكب المتغير الأكبر حيث انتقلت بريطانيا من الإقطاع إلى الرأسمالية.

أما ريكاردو فهو بريطاني من أصل يهودي وقد نبذه والده لأنه تزوج من مسيحية. وعاش في نفس فترة سميث, وإن تأخر قليلاً, أي في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر, ولكن في نفس مرحلة التحولات الرأسمالية, وهو مدرس اقتصاد وتميز  بتشريحه للدخل القومي وتوزيعيه, وهو يعتبر من الأثرياء و تأثر بكتاب آدم سميث “ثروة الأمم” وقد انحازا معا للرأسمال الصناعي ونقدا معا الريع العقاري الذي يحصل عليه الإقطاعي من الأرض, سار على نهج سميث في تبيان قيمة العمل والحرية الاقتصادية السوقية (دعه يعمل دعه يمر, دعه ينتج دعه يبيع) بل ونادى ريكاردو بتأميم في ظل عدائه للإقطاع الذي يستنزف ربح رأس المال الصناعي.

وهناك اقتصاديون ليبراليون كلاسيكيون أخريين, ولكنهم كلهم لم يركزوا على حرية السوق كناظم للحياة العامة بما يستوجبه من  تحطيم لعلاقات الإنتاج الإقطاعية وبناها السياسة والثقافية-الدينية.

وكل الذين يؤمنون بحرية السوق يؤمنون بأن النظريات الاقتصادية الكلاسيكية قادرة على التوظيف الشامل لقوة العمل والتوظيف الشامل للموارد… طبعا سقط هذه الزعم مع الركود العظيم, أقصد الأزمة الكبرى بين 1929-1933 التي مات فيها الملايين جوعاً وانهار اقتصاد أوروبا وأمريكا وأفلست الآلاف والآلاف من الشركات وأغلقت مصانع أكثر منها والقي ملايين وملايين العمال في الشارع وهذا ما حدث لظهور الكينزيه… بل ويمكن القول أن هذه الأزمة كانت توطئة لظهور النازية والفاشية وبالتالي الحرب العالمية الثانية ايضاً.

واتكاءً على حريات السوق تقوم النظرية الكلاسيكية الرأسمالية على قاعدتين: أ-التنافس الذي يولد إنتاجاً وبالتالي استهلاكاً, أي أن حريات السوق القائمة على المنافسة تؤمن سلع وخدمات وأسعار وأجور وأن هناك توازناً بين الإنتاج الكلي والإنفاق الكلي, أي ثمة دخل يوازي في قوته الشرائية حجم الإنتاج. فلا يحصل اختلالاً بين الطلب والإنفاق. وعليه تؤمن حريات السوق مصلحة متبادلة بين المنتج والمستهلك وكذا توازناً بين العرض والطلب.

ورداً على الادخار ذلك أن الناس يدخرون لا يستهلكون قالوا إن الفائدة التي تؤمن للمدخرين تستوجب إيداع مدخراتهم في البنوك ليستثمرها رجال الأعمال (البرجوازية) وأن نسبة الفائدة مرتبطة بحال السوق وهذا يخلق توازناً. أي لن تؤسس استثمارات جديدة تؤمن نسبة فائدة ما إلا إذا تم استهلاك المنتج, وإلا تقلصت الاستثمارات بما يوجب تخفيض الفائدة. أي ثمة توازن بين الادخار والاستثمار وسعر الفائدة .

ب-القاعدة الثانية: تقوم على التوازن بين الأسعار والأجور أي التوازن بين الإنفاق الكلي والتوظيف الشامل. أي أن قيمة النقد المتداول في الدورة الاقتصادية, أو فترة ما, إنما تعادل قيمة الخدمات والسلع المتداولة. وحتى لو كانت تكاليف الإنتاج أكثر, يتم تخفيض الأجور فلا تحدث بطالة.

ويستمر التوازن بين قيمة الأجور مع قيمة الخدمات, وحسب اعتقادهم أن قيمة النقود تعكس قيمة المنتجات أخذين بالحسبان سرعة التداول فلا يحدث انهيارات أو تضخم مالي. أي أن سرعة النقود وسرعة التداول تتناسب مع الأسعار, وبالتالي يتساوى العرض الكلي مع الطلب الكلي ولكن هذا كله أصابه الاهتزاز مع اشتعال الأزمة الاقتصادية الكبرى, وإن كان قد أدى دوراً تقدمياً في مرحلة إنعطافية هي انتقال المجتمعات من الإقطاع إلى الرأسمالية, فظهرت المدرسة الكينيزية.

2) المدرسة الكينزية: وكينز بريطاني الجنسية وضع كتاباً مهماً عام 1936 “التوظيف الكامل” ناقداً النظرية الكلاسيكية بأنها, أي اقتصاد السوق الرأسمالي غير قادر على توفير الميكانيزم الذي يؤمن التوظيف الكامل فتحصل البطالة. وقد أثار جدلاً لأن ما سبقه كان من قبيل المسلمات, ساعده في ذلك الأزمة التي هزت قلاع رأس المال حينذاك.

وأهم ما أضافه كينز ( الكينزية): أ- ثمة عدم انسجام وتوازن بين المدخرات والاستثمار. وأن الادخار يعني تقليص الاستهلاك بالتالي فائض في العرض والخدمات وليس توسعاً في استثمار “رجال الأعمال”. فانكماش الطلب لا يفضي إلى زيادة الاستثمارات, بل ودوافع الادخار ليست نفسها أهداف الاستثمار.

ب- ثمة عدم توازن وتجانس بين الأسعار والأجور, أي أن انخفاض الأجور قد يقود إلى مزيد من الاستثمارات وبالتالي التوظيف الكامل, و قال أن هناك برجوازيون (مستثمرون) مسيطرون على السوق (احتكاريون) ولا يسمحوا بتخفيض الأسعار عندما ينخفض الطلب, فتواجههم النقابات العمالية القوية التي تعارض تخفيض الأجور.

وبالتالي تحدث عن الإنفاق الكلي والطلب الكلي فقال أن الاقتصاد يتكون من (قطاع الإنتاج والأعمال/قطاع الاستهلاك/القطاع الحكومي/القطاع الخارجي) وكانت النظرية الكلاسيكية تركز على قطاعين  (الإنتاج والاستهلاك) بينما همشّت القطاع الحكومي الذي غدا دوره كبيراً أو يمكن أن يكون كبيراً في النشاط الاقتصادي بما يشكله الإنفاق الحكومي  من نسبةً في الإنفاق العام, وإن تخفيض الضرائب يفضي إلى زيادة الاستهلاك لدى الأفراد بما يزيد الإنفاق الكلي, وقد أطلق على الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب أسم “السياسة التوسعية” التي يتعين على الحكومة إتباعها في حالة الانكماش والركود, أما تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب فأسماها “السياسة الانكماشية” التي تتبعها الدول في حالة التضخم المالي. وكلا السياستين أسماهما “السياسة المالية للدولة”.

وأن التوازن في ميزانية الحكومة يتحقق من خلال ضبط الإنفاق بما يعادل عوائد الضرائب, أما إذا زاد الإنفاق وبقيت الضرائب على حالها حينذاك يحصل خللاً وعجزاً.

وأخيراً القطاع الخارجي أي الصادرات والواردات, والتعامل هنا يتم بالنقد وللنقد بداهة عدة فوائد (قياس القيمة/للتبادل/للادخار) و يعادله رصيد ذهبي أو فضي مودع في البنك, أو للمضاربة,بينما كان للنقد وظيفة واحدة في النظرية الكلاسيكية (التبادل)… وكلما كان التصدير أكبر كان الميزان التجاري رابحاً أكثر.

وكلمة أخيرة, لا يمكن الاستهانة بإضافات كينز النظرية في حقل الاقتصاد, ومحاضرتي لست متخصصة في هذا الشأن, وما أود التنويه له أن كينز أعطى دوراً للدولة, ولم يترك المسألة فقط سوق حرة….وروزفلت الرئيس الأمريكي وسواه أخذوا بأطروحاته وبوجه عام لقد سيطرت الكينزية إلى أواخر الثمانينيات تقريباً.

ولكن ظهر في أمريكا اللاتينية اجتهاد في الخمسينيات والستينيات وأستمر لما بعد ذلك, أُسمي المدرسة البنيوية.

3) المدرسة البنيوية: في أصلها مدرسة أدبية تقرأ النص الأدبي أو الشعري كبنية في كليته وليس في أجزائه, وهي مدرسة فرنسية في الأساس. وليس هذا موضوعنا, ولكن ما يهمنا هو ترجمة هذه المدرسة في الاقتصاد, كونها إحدى المدارس التنموية.

وقد نظرت لمجمل العناصر التنموية ككل, موارد وثروات وبشر وظروف خاصة قومية, وغرضها بداهة كما سواها أعلى معدل تنموي, ولكنها قالت أيضاً بأن تكون التنمية في مصلحة الأغلبية وأن تكون مستدامة, ولئلا ينشأ التباس, فهذه المدرسة كما السابقات تندرج في إطار الرؤية الرأسمالية إجمالاً, ولكنها أول مدرسة تنموية انبثقت من العالم الثالث, المحيط, ولم يكن مركزها أوروبا أو أمريكا… وهي أشبه بمركز أبحاث نشأ في تشيلي وأنتج سياسات تنموية تركزت في قبضة أطروحات أهمها التصنيع/توفير فرص عمل/الدولة كضمان/تنمية الابتكار وزيادة التنافسية/عدم تركيز الثروة في أيدي أقلية لأن ذلك يعود بالضرر على التنمية.

ولكنها تجاهلت نظرية التبعية ولذلك أخفقت على نطاق واسع وارتفعت أسهمها ثانية بعد الأزمة الاقتصادية 2008, وزعيمها هو راؤول بربيش, وثمة ترجمات جزئية لهذه المدرسة في البرازيل اليوم بالاعتماد على الذات والموارد المحلية وليس القروض الخارجية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسواهما… كما دعت لاستثمار ثروات البلاد في الداخل, أي المدخرات, وليس تصديرها للخارج كما حال الرأسمال العربي الذي بلغت حجم ودائعه في الخارج أكثر من 1.4 تريليون دولار.

وبربيش اقتصادي أرجنتيني أنتقد المدرسة الكلاسيكية كما نظرية المركز للمحيط, الذي لا يفهم خصائص المحيط ومتطلبات تنميته… وهذا مألوف عادة, أقصد التناقض بين” خطاب الشمال وخطاب الجنوب” في كافة الميادين وليس في الاقتصاد فقط… وقد اشتد التناقض في عصر العولمة, حيث تحاول الاحتكارات المعولمة وأقواها الاحتكارات الأمريكية الهيمنة على العالم, ولذلك صلة بالمدرسة الجديدة.

4) الليبرالية الجديدة: معروف أن الثورة الصناعية بدأت في الغرب (أوروبا) وتحديداً في بريطانيا, وفي علاقة جدلية معها نشأت الليبرالية, ومفكرها الأكبر آدم سميث الذي دعا لعدم تدخل الدول في الشؤون الاقتصادية ورفع القيود عن التصنيع والتجارة… وقد استمرت هذه الرؤية التنموية حوالي القرنين حتى الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929-1933 ومجيء الكينزية,كما ذكرت في حديثي  أمس. وكينز دعا لتدخل الحكومات والبنك المركزي بما يكفل نمواً كاملاً للرأسمالية والتوظيف الكامل للموارد وقوة العمل.

ولكن الشركات العملاقة ( الاحتكارات) في السبعينيات والثمانينيات,أي الشركات متعددة القومية استعانت ثانية بالنظرة الليبرالية وأصبح أسمها الليبرالية الجديدة وقد جاءت في عصر الثورة التقنية, و تعززت بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وأنظمة أوروبا الشرقية, وظهور العولمة والشركات متعدية الجنسيات التي بات مشروعها التنموي الهيمنة على الكرة الأرضية وتحويلها إلى سوق واحدة تحت سيطرتها مما اقتضى تأسيس منظمة التجارة العالمية التي تشترط فتح الحدود ورفع الحماية الجمركية وحرية تنقل البضائع ورأس المال.

وبالتالي فالليبرالية الجديدة هي:

1) هيمنة السوق تماماً ورفع القيود التي تفرضها الحكومات شطب دور الدولة في الرقابة والتنمية والتشغيل, بل وذهبت لتخفيض الأجور وتقليص الموازنات للتعليم والصحة وتأمين الشيخوخة والبطالة…أي دون اهتمام بالنتائج الاجتماعية المترتبة على وحشية السوق وتمركز الثروات ومراكز القوى في أيدي الاحتكارات العملاقة أي نسبة لا تزيد عن 1% من البشرية.

2) الحرية الواسعة لرأس المال استثماراً وإنتاجاً و تسويقاً, بما نتج عن ذلك من تلويث للبيئة واستهلاك لثروات الكرة الأرضية و مساس بالأمن الصناعي و أمراض.

3)الخصخصة, أي بيع مشروعات القطاع العام الذي تمتلكه الدولة إلى الرأسماليين (قطاع البنوك,السكك الحديدة,الكهرباء,الهاتف,المستشفيات,الجامعات,المناجم,المشروعات الصناعية),

بما زاد من مركزة الثروة وتسريح أعداد من العاملين  فارتفعت نسبة العاطلين عن العمل وهي اليوم أكثر من600 مليون في العالم وفقر يشمل أكثر من 2 مليار نسمة.

وهذا كله يتطلب غطاءً ثقافياً و ايدولوجياً موازياً يركز على الحريات الفردية والمسؤولية الفردية باسم المصلحة العامة فيما يتقلص دور الدولة فاتسعت الطبقات الفقيرة وانتهكت على نطاق واسع حقوق الإنسان والأطفال والشعوب في المحيط, ويقوم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بتسويق وترويج هذه الثقافة.

أما المنظر الأكبر لهذه الليبرالية فهو ميلتون فريدمان, وكانت هذه الليبرالية السبب الجوهري في اشتعال الأزمة المالية التي استحالت اقتصادية عام 2008 ولم يخرج منها العالم لهذا اليوم, حتى أن الروس والصينيين في اجتماعات الدول العشرين قد اقترحوا تدخلاً للدولة في مراقبة البورصة, أي مركز ثقل رأس المال اليوم, حيث تباع أهم الوحدات الاقتصادية و المرافق على شكل أسهم, بما بصاحب ذلك من مضاربات, غير أن بوش الابن اعترض واعتبر ذلك مساساً ايدولوجياً, ولم تتوافر الشروط ألا بعد فوز أوباما, الذي نجح في دورته الثانية في تمرير قانون التأمين الصحي خلافاً لرغبة الحزب الجمهوري.

كل ما عرضته أنما يتواشج وهو في صلب الرؤية التنموية الرأسمالية الأكثر تطرفاً أو الأقل تطرفاً, أما المساحة المتبقية من محاضرتي فهي المدرسة الأخرى, المدرسة الاشتراكية.

محاضرتي الثالثة حول الاقتصاد الاشتراكي, وهذا الاقتصاد يقوم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج, أي الملكية الاجتماعية للدولة, كما على الملكية التعاونية سواء كانت إنتاجية أو زراعية أو خدماتية, وهي تعود للتعاونيين.

-وهذا يقتضي بعض التوضيح :-

1) أن الرؤية الاشتراكية قادت دول كبرى وعظمى وبلدان أصغر شأناً, أي أنها ليست نبتاً شيطانياً أو شعارات مزعومة, ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي فقد أنجز ما أنجز, واليوم هذه الرؤية مرجعية للتجربة الصينية والعديد من البلدان كفيتنام وكوريا الشمالية وكوبا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية حيث يحكم اليسار سيما في البرازيل وفنزويلا.

2) يقصد بوسائل الإنتاج المصانع والمناجم والبنوك والشركات والمزارع والأرض وكافة المرافق الخدمية, أي كل ما يمت بصلة للعملية الاقتصادية بمجملها بما في ذلك المستشفيات والجامعات والمؤسسة الإعلامية والثقافية.

3) يقصد بالملكية الاجتماعية ملكية الدولة كشخصية اعتبارية وكلما تطور الاقتصاد تكون ملكية الدولة أكبر سواء بفعل التأميم بعد انتصار الثورة بالسيطرة على السلطة, والتأميم قانون اشتراكي, ولكن الرأسمالية الصاعدة أقدمت عليه في بدايات عهدها عندما انتصرت الثورة الفرنسية 1789 وسواها, وهي اليوم تعارضه بقوة.

والتأميم عادةً يشمل وسائل الإنتاج الثقيلة ( بنوك كبيرة,مصانع كبيرة,ومناجم,أراضي واسعة, تجارة خارجية, مرافق هامة وكالكهرباء,الهاتف,الجامعات,المستشفيات) وهذا مرهون بمستوى التطور وتمركز الثروات, والتأميم لا يذهب للملكيات المتوسطة والصغيرة.

وكلمة ماركس مهمة هنا كونه مؤسس ومنظر الفكر الاشتراكي ( أن الاشتراكية تشترط تطور قوى الإنتاج) أي لا تقوم في بلدان متخلفة وفقيرة, بل ترتبط بالمجتمعات الأكثر تطوراً, إلا إذا قامت دولة اشتراكية بمساعدة بلد متخلف على السير نحو الاشتراكية, وعندما لا تكون متطورة تقوم السلطة اليسارية بأحداث تنمية متعددة النماذج على طريق الاشتراكية, وهذا أتطرق له لاحقاً,ولا أنسى أنه  يضاف لملكية الدولة المشروعات التي تؤسسها بعد انتصار الثورة في كافة المجالات.

وعليه فاللدولة دور كبير وحاسم وملكيتها كبيرة وحاسمة وتضمن توزيعاً عادلاً للثروات كنقيض للاقتصاد الرأسمالي الذي يقوم على حرية السوق والملكية الخاصة للرأسمالية والاحتكارية.

لكن هناك سوق في الدولة الاشتراكية, وهو السوق الاشتراكي بين وحدات الإنتاج الاشتراكية والتعاونية, وهذا يتحقق بتدرج والمراحل الانتقالية تتسع لوحدات اشتراكية وغير اشتراكية ( ملكيات خاصة , ورأسمالية دول أي ملكية مشتركة للدولة والقطاع الخاص سواء كان داخلياً أو خارجياً).

وموظف الدولة سواء كان الرئيس أو الغفير, مديراً أو حاجباً هو مجرد موظف ليس له حصة خاصة في ملكية الدولة, فالدولة شخصية اعتبارية وأملاكها ملكية جماعية لكل الشعب.

أما الملكية التعاونية فهي التي يؤسسها الحرفيون (نجارون,حدادون,حياكة,أخشاب….) من أصحاب الإنتاج الصغير الذين يرون في تشريك وسائل إنتاجهم فرصة لاستخدام التكنولوجيا والتكامل بما يعود عليهم بدخل أعلى, وتصبح التعاونية وأرباحها ملكية جماعية لهم.

وهذا حال التعاونيات الزراعية, التي قد تشمل الواحدة عشر عائلات أو أضعاف ذلك, فيساهم التعاونيون الزراعيون بما يملكونه من أراض وحيوانات وأدوات وتصبح ملكيتهم تعاونية ولنفس الغرض السابق وفي الحالتين تقوم الدولة الاشتراكية بمساعدة هؤلاء التعاونيون بتكنولوجيا حديثة وخبراء بنية زيادة منتوجهم وتحسين شروط حياتهم.

1) تشريك وسائل الإنتاج :- أي تصبح الملكية الاقتصادية مشتركة واشتراكية بما تتطلبه من تطور في قوى الإنتاج, أي الإنسان بمهاراته ومؤهلاته ورؤيته الفكرية الاشتراكية وأدوات العمل من آلات ووسائل عمل.

وهذا كله نابع من قانون “الطابع الاجتماعي للعمل والطابع الخاص للتملك” والذي يسود في الرأسمالية, فتقوم الاشتراكية بحل التناقض لكي يصبح “الطابع الاجتماعي للعمل والطابع الجماعي للملكية”, وبذلك يتم التخلص من القانون الأساسي في الرأسمالية, أي فائض القيمة, وأظنكم تذكرون محاضرتي قبل شهرين وأكثر حول هذا الموضوع, وملخصه التبسيطي لكي أربط سياق محاضرتي وحسب, أنه مصدر الربح لدى الرأسماليين من أصحاب وسائل الإنتاج ذلك أنهم يدفعون أجرة للعامل والشغيل والموظف فيما يسمى يوم العمل الضروري أي ساعات من العمل, فيما يستأثرون بساعات أخرى, أي يوم العمل الإضافي الذي يولد الربح, أي فائض القيمة, وهذا حال الأرباح الناتجة عن التصدير حيث تنهب جيوب الشعوب المستهلكة وتذهب الأرباح للاحتكارات الرأسمالية.

ومعروف لكم أنه في المجتمع الإقطاعي يسود قانون الريع العقاري, أما في الرأسمالية فيسود قانون فائض القيمة مصدر استغلال العمال والشغيلة ومصدر تراكم الثروات لدى الرأسماليين واحتكاراتهم, علاوة على العلاقة المبنية بين دول المركز واحتكاراته والبلدان النامية حيث يبتاعون موادهم الخام بأسعار زهيدة ويبيعون لهم مواد مصنعة بأسعار مجزية فينهبون ثرواتهم ويسدون طريق نموهم, وشيئ مماثل تقوم به البنوك وقروضها حيث ناهزت مديونية العالم النامي اليوم 2 تريليون دولار وهي في أساسها لا تتعدى 700 مليار دولار تراكمت فوائدها سنة بعد سنة ومطلوب من الشعوب تسديد هذه الفوائد و المبالغ الفلكية.

4) هدف الاقتصاد الاشتراكي تلبية حاجات الناس بأكبر قدر من العدالة بحيث توزع الكعكة على المجتمع ولا تستأثر بها الاقيلة , ففي أمريكا مثلاً هناك 3% يسيطرون على 90% من الاقتصاد, وشيئ مشابه في اليابان والمانيا.

وثمة فارق نوعي بين أن يكون هدف الاقتصاد الاشتراكي انتاج سلع وخدمات في خدمة الانسان وبين الاقتصاد الرأسمالي الذي يستهدف الربح, وكي يتحقق الربح عليه إنتاج سلع وخدمات لها قيمة استعمالية, علما أنه ينتج احيانا لوحات وتحف بملايين الدولارات بما لا يشكل حاجة حقيقية أو على الأقل ليس لها الأولوية, دون أن ننسى أزمات فيض الإنتاج حيث ينتج سلعا تتجاوز القدرة الشرائية للمواطنين فتتراكم السلع وهذه المرحلة الأولى من الدورة الاقتصادية أو الأزمة الاقتصادية بما يتولد عنها من انهيارات ودمار.

5)يقوم الاقتصاد الاشتراكي  على التخطيط المركزي, أي خطة تضعها الدولة بالاستناد إلى الخطط المحلية للمشروعات والوحدات الاقتصادية بما يضمن توظيف لموارد الدولة وقوة العمل دون بطالة تذكر أو أزماتت فيض إنتاج تذكر.

طبعاً يمكن أن تحصل إخلالات بسبب البيروقراطية ولكن هذا ليس في صميم النظريات الاقتصادية الاشتراكية, وإنما في صميم النظام السياسي عندما يكف عن التجديد وتتراخى فيه الرقابة والنقد والضغط القاعدي, وهذا الموضوع عموماً يتصل بالديمقراطية الأمر الذي يستحق وقفة منفصلة, وأختتم حديثي عن الاقتصاد الاشتراكي بالإشارة إلى :-

أ- الطور الاشتراكي هو الطور الأدنى حيث يسود قانون من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله, أي ليس فائض القيمة كما في الرأسمالية, إذ لا أحد لديه ملكية اقتصادية استغلالية وبالتالي لا يقوم بتشغيل أيدي عاملة ويستغلها, إن قوة العمل أياً كان إسمها في قطاع الدولة أو في القطاع التعاوني إنما تبذل طاقتها وما تنتجه تتقاضى أجراً عليه, وأية استقطاعات لا تذهب للبرجوازية, إذ ليس ثمة برجوازية وإنما للدولة التي تؤمن تعليماً مجانياً وعلاجاً مجانياً وتوسع مرافق الرفاهية  المجانية وتبني جيشاً لحماية الوطن وتحرص على تأمين سلع شبه مجانية ( الكهرباء,الطاقة,الماء) أو مجانية أي لخدمة الجميع. وهنا ثمة ألتباس فمن جهة أن هذا لا يتحقق إلا بتدرج, أي أن الاقتصاد يمر بمراحل انتقالية إلى أن يبلغ تشريك وسائل الإنتاج, أي ثمة قطاع برجوازي صغير او متوسط وأحياناً كبير في المراحل الانتقالية, أنظروا للتجربة الصينية اليوم, فهي تقول تنمية على طريق الاشتراكية, ولكن قطاع الدولة والقطاع التعاوني ينمو سنة بعد أخرى إلى أن تذوب الملكيات الخاصة.

ولكن الملكية الفردية تستمر, أي البيت والسيارة والراتب وحديقة المنزل والمقتنيات, ولكن هذه لا تعود بربحية على صاحبها فهي للاستهلاك فقط.

.  وهذا الطور مرت به تجارب الاشتراكية المحققة, أي التي عرفتها البشرية, ولم تكتمل بل وانهارت في عدة حلقات وأهمها القلعة السوفيتية, أي ثمة صراع هنا وقد تنتصر قوى الاشتراكية أو قوى العودة للرأسمالية.

ومن جهة أخرى ان السلطة الاشتراكية لا توجه سهامها للقطاع الصغير و المتوسط في مراحل تأسيس الاشتراكية بل تؤمم الصناعات الكبرى والموانئ والتجارة الخارجية والبنوك و الشركات التي يتركز فيها رأس المال , وهذه في البلدان الرأسمالية المتطورة تشكل بين 80-90% من الكتلة الاقتصادية ويملكها بين 1-5% من الناس بينما يعمل فيها 50-60% من قوة العمل.

أما القطاع الصغير والمتوسط فهو الذي يشكل 10-20% من الاقتصاد فيملكه بين30-40% من الناس, و احتكار رأسمالي واحد يملك ما يملكه كل هؤلاء وبالتالي فهم ليسوا هدفاً للتأميم.

وفي بلادنا يحرض أعداء الاشتراكية قائليين أنكم تريدون تأميم بيتي أو بستاني أو مشغلي, وهذه سخافة ذلك أن هذا القطاع غير مستهدف بل وتقوم الدولة بتقديم الخبراء والتكنولوجيا والري الحديث والقروض وتتعاقد معهم  لمساعدة هذه القطاع لمضاعفة إنتاجه.

وأحياناً يقولون “تريدون تأميم النساء” وجعل النساء مباحات للجميع بينما العائلة النووية أي رجل لأمرأة بما لهما من أطفال تستمر في الرأسمالية والاشتراكية, فهذا تطور تاريخي ويستمر, أما النظرة التقليدية للمرأة بانها حبيسة البيت ومهمتها الطبخ والنفخ فقط فهذا يندثر سواء في الرأسمالية أو الاشتراكية, ذلك أن المرأة إنسان ومن حقها أن تختار دورها في الحياة كإنسان وليس كتابع, طبعا تندثر سيطرة الرجل وانجلز ناقش هذه المسألة في كتابه “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”.

والجديد أن الأخلاق الليبرالية الرأسمالية قد سببت بطالة في صفوف النساء بما دفع البرجوازييين لأستغلال أجسادهن مقابل المال, أي التمتع في بنات الفقراء, وهذه الظاهرة تندثر إذ تتوافر الشروط التي تؤمن للمرأة كرامتها وسبل عيشها الكريم فلا تضطر لبيع نفسها وتختفي بالتالي بيوت الدعارة المنتشرة في الرأسمالية.

استذكر أن الوفد الفيتنامي الذي استقبل وفداً قيادياً للشعبية على رأسه الشهيد أبو علي عام 1989 تحدثت رئيسة إتحاد المراة الفيتنامي وهي عضو م.س قائلة ( لقد أورثنا  الاستعمار الأمريكي في سايغون ( هوتشي مين) نصف مليون عاهرة) وهذه الظاهرة اندثرت بعد أن أعدنا تأهيل النساء ووفرنا لهن فرص عمل.

جدير أن أخصص محاضرة للمرأة, علماً أنني تناولت زوايا في كتاب “مداخل لصياغة البديل” وقد لاحظت أنه في مكتبتكم, وهذا سرني فهو محاضرات ألقيتها قبل حوالي من 20 سنة في سجن النقب.

ب- الطور الشيوعي, وهذا طور أعلى ولم تصله البشرية بعد, وفيه تختفي الحدود بين الدول وتنطفئ الدولة كجهاز للقمع الطبقي “حسب التعبير اللينيني”, وترتقي التكنولوجيا ومهارات الإنسان وتصبح قادرة على تلبية حاجات الإنسان فيتحقق قانون “من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته” وصولاً إلى ظهور الإنسان الشامل أي القادر على مزاولة عدة مهن ومهارات بإنتاجية عالية,  كما تزول الفوارق بين الريف والمدينة, وهذا تصور مستقبلي,

لكن ينبغي أن نلاحظ أن دول أوروبا الرأسمالية توحدت في ظل الرأسمالية, فلماذا لا تتوحد البشرية في مرحلة مستقبلية عندما تزول عوامل الحرب والهيمنة والاستغلال, وبديهي أن التاريخ لا يتوقف فهو في صيرورة دائمة ولا نهاية له.  

والآن أنتقل إلى الرؤية التنموية المستقلة في بلدان المحيط أقصد البلدان التي تمردت على المركز الرأسمالي.

ولئن قال ماركس ( يا عمال العالم اتحدوا) وأضاف عليه لينين ( يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدي) أي الشعوب الثائرة على الاستعمار و الإمبريالية, واعتبر الثورة التحررية المعادية للإمبريالية جزء من الثورة الاشتراكية فهذا يمكن أن ينطبق على الرؤية التنموية الاستقلالية في البلدان المتحررة.

والنموذج الفيتنامي هو نموذج أصيل هنا, فالشعب الفيتنامي قاتل ببسالة إلى أن طرد المستعمر الياباني ومن بعده الفرنسي تلاه الأمريكي بقيادة حزب الشغيلة ( الحزب الشيوعي اليوم) وكان نمط الإنتاج السائد هو الفلاحي  و البضاعي الصغير والاقطاعي إذ لم يكن ثمة مصانع ضخمة أو زراعة حديثة أو شركات رأسمالية كبيرة وهذا كله كان تابعاً للمستعمر.

وبعد الانتصار وتوحيد البلاد 1975 راحت السلطة الاشتراكية تسرع الخطى في مشروع تنموي مثابر سيما في حقل الإنتاج من زراعة وصناعة وكذا قطاع خدمات ,فكهربت البلاد وأسست الجامعات وشقت الطرق ومدت شبكات المياه والصرف الصحي وهذه العملية مستمرة.

بعلاقات قوية مع الإتحاد السوفيتي السابق وبقدر أقل مع الصين, ولكن بالاعتماد على الذات أولاً, وفيها بداهة نماذج اقتصادية متعددة ( قطاع الدول الاشتراكي, القطاع التعاوني, القطاع الفلاحي القطاع البضاعي الصغير  الخاص, قطاع البضائع الصغيرة الخاص, قطاع رأسمالية الدولة, القطاع المشاعي من أراضٍ وأنهار  تابع للدولة) وشيئ مشابه في الصين, وفي كوبا, وفنزويلا,و و مع تفاوت في مستوى التحول الاشتراكي.

ولكنها جميعها فكت ارتباطها وتبعيتها للسوق الرأسمالية, وحررت ثروات البلاد من النهب الإمبريالي, وباتت موارد البلاد تستثمر في تنمية البلد وفي خدمة الطبقات الشعبية, والفارق هنا درجة الاستقلالية وفي نسبة الملكية العامة والتعاونية في الاقتصاد القومي كما في تجذر الحزب الحاكم وكفاءته وانتشار الثقافة الاشتراكية.

وعربياً لقد حاول عبد الناصر (تأميم ملكيات الإقطاع, توزيع الأراضي على الفلاحين, تنمية صناعية معينة, استقلال سياسي يحرص على سيادة الدولة التي اضطرت لخوض معارك ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية, التحالف النسبي مع المعسكر الاشتراكي, توسيع قطاع التعليم المجاني).

– ولكن لماذا أرتد النظام المصري ولم يرتد النظام الكوبي أو الفيتنامي؟

ذلك أن القوة الاجتماعية وحزبها الحاكم مختلفان في هذه الدول. فسلطة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة حكمت مصر وبالتالي ارتقت شرائح فيها إلى مواقع البرجوازية التابعة في زمن السادات فأرتدت  التجربة , كما لم يكن لها حزبها الماركسي الاشتراكي بينما في فيتنام أو كوبا فالحزب الحاكم يساري ماركسي ويمثل القوى الاجتماعية الشعبية التي تتبنى خياراً اشتراكياً ولا يسمح اقتصادها أو سياستها بتسلق شرائح برجوازية إلى الحكم.

والمهم هنا أن النظرة أو النظرية التنموية المستقلة وسلطتها الحاكمة لا تسمحان للشركات الإمبريالية بنهب ثروات الوطن, و لا تسمحان بصعود طبقات برجوازية تستأثر بحصة الأسد من الاقتصاد الوطني, أي لا برجوازية كومبرادورية تابعة للمركز الإمبريالي ولا برجوازية قومية تستغل الشغيلة على تطاق واسع وتستأثر بالاقتصاد الوطني.

من جهة أخرى, السير في خط تراكمي على صعيد اقتصادي وتعليمي وثقافي وسياسي لفك التبعية وإنتاج ما تحتاجه السوق الوطنية وإقامة علاقات  متكافئة مع دول صديقة لا أهداف استعمارية لها, وتنشئ المصانع والمزارع وقطاع الخدمات والجامعات و الإعلام والثقافة والفنون و و ….. دون الارتهان لمديونية وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو اشتراطات منظمة التجارة العالمية.

يمكنني أن أضيف على هذا العرض الموجز عند الإجابة على الأسئلة والمداخلات, ولكن قبلئذ, من المفيد التذكير أن الفكر الرأسمالي الليبرالي يقول بأن التنمية المستقلة مستحيلة, أي يدعو لحرية السوق وارتباطه بمنظمة التجارة العالمية, ذلك أن السوق العالمية مترابطة وقوة العمل كما رأس المال باتا عالميين…..ولكن كل ذلك لكي يتاح  للشركات العملاقة كيما تنهب موارد بلدان المحيط, ولكن التجربة السوفيتية سابقاً والصينية حالياً وبلدان التوجه اليساري والتنموي قالت بغير ذلك, إذ لا مهرب من تنمية وطنية مدعومة بإجراءات حمائية لا تجيز للشركات المعولمة باستباحة الأسواق المحلية الأسواق المحلية ,ويكفي أن ننظر للتجربة البرازيلية مثلاً حيث بات لديها اكتفاء ذاتي في اللحوم والحمضيات والزراعة عموماً وقفزت الصناعة التي تلبي احتياجات الزراعة والسوق المحلية كما التصدير  حتى على الصعيد التكنولوجي ( الطائرات والدبابات والنسيج) وصولاً إلى إحراز وثبات في المدن باتت تستوعب أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الذي يناهز 200 مليون نسمة بما أهلها للانضمام أو المشاركة في تأسيس محور البريكس مع روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا .

أي أن التجربة الإنسانية  أثبتت خطاً منظرو الرأسمالية الليبرالية.

أصبوحة طيبة,,,,

أحدكم اقترح عليْ أن أذهب للاقتصاد فيما كنا نتمشى في الساحة أول أمس,في سياق حديثي حول العولمة. وهذا ذكرني بنصيحة الحكيم قبل نحو عقدين ويزيد ” علينا أن  نقرأ ريكاردو وأدم سميث و الكينزيه…” .

ولكي يكون الأمر جلياً,ليس ثمة  فرصة لفهم سياسي متسق دون فهم متسق لعلم الاجتماع , ولا متسع لفهم متسق لعلم الاجتماع دون فهم صحيح لعلم الاقتصاد,وهذه يتطلب منظوراً فلسفياً وخلفية فلسلفية. و أظنكم لاحظتم في “أمسيات الأكاديمية” أقصد سلسلة المحاضرات التي عرضتها مساءً قبل نحو شهرين أو ثلاثة حول النظر العقلي أو المنهاج, قد ذكرت غير مرة أهمية الفلسفة “كعلم العلوم” التي تحضر في خصوصيات كل علم . و بعضكم كان حاضراً في تلك الأمسيات.

ومثلما أن المجتمع بنية فالفكر بنية كذلك. ولكن في الجامعات المحلية والرأسمالية عموماً لا يدرسون الطلبة على هذا النحو, بل يفصلون الاقتصاد عن السياسة و السياسة عن الاجتماع , وعن الثقافة والتاريخ وهكذا وصولاً إلى فصل الفلسفة وجعلها مقولات يجري صياغتها في أبراج عاجية…وهذا يفتقد للرابط فيما بينها ولا يساعد في تكوين فهم علمي, بل تجزيئي, وهذا مقصود. أي تعمية الطلبة بدل توعيتهم.

أما في المدرسة الماركسية , فالأمر على نحو مغاير. ولا ازعم أنني في هذه المحاضرة سوف أجْسر المسافات و أستوفي الموضوع من كل جوانبه , وإنما سأكشف الترابط, ولكن بالتركيز على الاقتصاد, أو بصورة أدق على النظريات الاقتصادية, كونها عنوان المحاضرة . وفي النقاش أُضيف , وإذا عدنا لهذا الموضوع مرة أخرى سوف استفيض . وهذا مرهون بمدى تجاوبكم وجاذبية الموضوع لكم.

لا يجهل احد أن أكثر الموضوعات جاذبية لكم هي المتعلقة بالسياسة والتحليل السياسي , كوننا نعيش السياسة يوميا ونتنفس سياسة كل وقت . ولدى الجميع خلفية ما تجعله أكثر تفاعلاً .

ولكن كما نوهت ثمة بنية و الشخصية الفكرية التي نحاول تأسيسها أو تعزيزها داخل السجن هي شخصية فكرية شاملة أو على أقل تقدير غير مجتزأة . و دون ذلك لن تصمد قناعاتنا أمام طوفان النظريات و الإعلام و الأدوات التي تضخها الرأسمالية بانتظام ومنهاجية في عقول البشر عبر الوسائل المتنوعة والطاغية, كما لن تصمد أو بصوره أدق لن تستطيع أن تكون قوة تغيير في بنية فكرية وثقافية تقليدية وجبرية حملها الموروث لنا منذ مئات السنين وهو معشش في كل ما نتعلمه في المدارس وفي معتقداتنا والطقوسْ والتربية العائلية والتعبئة المثابرة للقوى السياسية المنحازة لهذه البنية بصرف النظر عن التفاوتات فيما بينها, ومدى الانفتاح والانغلاق في صفوفها, وإن كنت ألحظ أن التيار الأقوى والأكثر إنتشاراً هو الأقل انفتاحا على حرية العقل والحق بالتفكير وما نتج عن ذلك من معطيات معاصرة .

وهذه المعضلة يعاني منها الشرق الأوسط على نحو أخص وليس جنوب آسيا وأوروبا أو الأمريكيتيين أو معظم إفريقيا.

وطالما نتخنذق في جبهة القتال من اجل الحرية ومن اجل الحقوق الجماعية والفردية ومشروع انهاء استغلال الانسان لأخيه الانسان وإنهاء القهر القومي والجنسوي , بما يتطلبه ذلك من مشروع تنموي شامل ومستدام, فلا مهرب من بناء المحركات الفكرية في رأس كل واحد فينا , التي تشكل انتماءً وانحيازاً و قدرة سجالية مشفوعة باحلام كبرى للمستقبل .إننا دعاة تجاوز الحاضر والمضي للمستقبل , الذي صنعته شعوب أخرى, ولكن بخصائصها القومية .

و واقعنا العربي و الفلسطيني في غنى عن الشرح, وهو بحاجة ماسة , بل ضرورة وجودية , أن يشرع بعملية ثورية تهدم وتبني, تهدم كل ما يعيق وتبني كل ما يطلق الطاقات ويحرر الإنسان كفرد وجماعة.

من هنا أنطلق, ماذا سأقول في محاضرة ارتجالية أحرص أن تكون متسلسلة ما أمكن؟

وبالمناسبة, إذا كان أفلاطون قبل 2300 سنة تقريبا قد عّرف السياسة , ضمن حيثيات زمانه, ولمعت أسماء فلسفية إغريقية وصينية وهندية , في تلكم المرحلة وقبلئذ , فعلم الاقتصاد ليس واضحاً في مقولات المجتمع الإقطاعي و الرقّي , أو بصورة أكثر حسما في مرحلة ما قبل التحول الرأسمالي وحلول تشكيلة اقتصادية اجتماعية رأسمالية, تتوجت بعد إنتصار الثورة الفرنسية 1789 وتأسست جذورها مع الانتقال للصناعة في القرنيين الخامس عشر والسادس عشر ومنعطفها الأكبر بعد ذلك تزامناً مع الثورة الصناعية التي تكرست تماماً في القرنين التاسع عشر يما صاحبها من ثورة علمية واستكشافات وإختراعات وما نتج عنها بالتالي من نظريات باتت تدرس أكاديميا في الجامعات الأوروبية (كون أوروبا هي وطن الثورة الصناعية) والمجتمعات التي سارت على هذا الدرب في مختلف القارات, مع التفاوت الزمني فيما بينها , إذ عرفت المستعمرات, بما فيها المنطقة العربية تاريخاً مفوتاً تأخرت فيها التحولات البرجوازية الإقتصادية الإجتماعية ارتباطاً بفقدانها السيادة السياسية  و استثمار ثروات العرب في خدمة الأمة العربية . حيث جمدنا الزمن العثماني أربعة قرون ونهبنا الإستعمار الغربي بعدها وحرص على تجزئتنا , فلم نتحرر من هذا الإرث الثقيل حتى اليوم, وإن كنا تحررنا منه جزئياً. بل وضاعت فلسطين كأحد تجليات التخلف العربي بما فيه الفلسطيني وجرى تفتيت الأمة.

ولئن كانت  بدايات الصناعة قد ظهرت في ايطاليا, غير أن النهضة الصناعية الحقيقية انطلقت في بريطانيا. إذ أن نهوض الزراعة في القرن الثامن عشر في الأرياف تطلب آلات ومعدات وعقول الأمر الذي استدعى إنتاجات صناعية وتعليمية, وقد ارتبط ذلك بما راكمته بريطانيا من فائض المستعمرات, وهي الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, ومستعمراتها تشمل الهند في أقصى الشرق الى أمريكا الشمالية في أقصى الغرب, وما بينهما هنا وهناك.. فنهبت شركاتها ثروات الشعوب.

طبعا لقد ارتبط بهذا التحول الانعطافي ثقافة موازية, كالإدخار والدأب على العمل, ورحابة العقل الذي أستوعب المنجزات العلمية, جنباً إلى جنب مع الشعور بالتفوق (الشوفينية) والنظرة الإستعمارية التي لا تتورع عن إبادة الغير إذا لزم الأمر كما حصل مع البوشمنز في استراليا أو التقتيل الجماعي للأفارقة. كتب غارودي انه (تم قتل 20 مليون إفريقي) من قبل المستعمر الأوروبي اثناء اصطيادهم ونقلهم في شروط مميتة الى القارة الجديدة (امريكا) بعد إكتشافها من قبل كولومبوس و اميركو فيسبوتشي, وقتل 57 مليون من الشعوب الاصلانية في أمريكا.

وقد انتقلت أسرار الثورة الصناعية إلى معظم أوروبا عموما وبلدان أخرى كاليابان في اواخر القرن التاسع عشر, والذي شاهد منكم فيلم ذا لاست ساموراي يلاحظ ذلك, وذات الأمر ينسحب على روسيا القيصرية وإن كان بتثاقل وتباطؤ…أما العرب والصين والهند والمستعمرات في العالم الثالث (المحيط) فلم تبلغ هذا الشأو بعد بسبب” تقسيم العمل العالمي” أمم تتطور وتنتج وتستغل وتستعمر وأمم منهوبة مستعمرة بلا استقلال, انها الحقبة الإستعمارية .”مستعمر و مُستعمر”.

وفيما كانت اوروبا تصنع الآتها التي تصهر الحديد وتنتج النسيج وتوفر الفحم الحجري ثم الكهرباء وتصنع البواخر و القطارات بما تقتضيه من علم جامعي وأيدي عاملة ماهرة ولكن في أشق الظروف الانسانية, وتنهب بالتالي المواد الخام من المستعمرات بل والذهب والفضة والنحاس والأخشاب والقطن… وكل ما تحتاجه الثورة الصناعية, ومدنها المعاصرة المضاءة بالكهرباء وطبقاتها الاجتماعية الجديدة (البرجوازية-والطبقة الوسطى المتعلمة في الجامعات و الطبقة العاملة) كانت شعوب المستعمرات ترسف في العتمة والتخلف والزراعة البدائية والكتاتيب التعليمية والبنى الاجتماعية التقليدية من عشائر وقبائل وعائلة بطريركية وإمرأة محجوزة في الطبخ والنفخ….بما جعل ثروات أوروبا تتضاعف مرات ومرات وثروات الشعوب تتناقص وتندفع حكوماتها التابعة لطلب القروض.

والكلمة الفصل التي يتعين الانتباه لها : هي ترابط الثورة الزراعية بالثورة الصناعية. أي لقد خدم النهوض الزراعي النهوض الصناعي والعكس صحيح. فيما بقيت شعوب المستعمرات تلهث ليلاً نهاراً من أجل أن تلبي الاستثمارة الفلاحية البسيطة متطلبات الحد الأدنى من سبل الحياة. فالزراعة فلاحية و أشبه بالاقتصاد المنزلي اليوم, دون أن يتحول معظمها للسوق, ودون أن تحتاج طرائقها البدائية معدات حديثة… فيما كانت هذه الشعوب في مجملها فلاحين وبدو رحل أما مدنها فهي مدن صغيرة ونادراً كبيرة ولكن خدماتية  وليست صناعية ومعاصرة… حتى أن البنوك كمتطلب لم تعرفها هذه الشعوب, بينما بتدرج اتحد الرأسمال الصناعي بالرأسمال البنكي ليشكل الرأسمال,المال القوة القائدة للمجتمعات الرأسمالية في أواخر القرن التاسع عشر وما بعدئذ… والذي يقرأ كتاب لينين ” الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” يلاحظ ذلك. طبعا هناك كتابات أخرى. ولكن لينين كقائد ثوري وحزبي أبدع في رصده للتحولات الرأسمالية وانتقالها للمرحلة الإمبريالية.

معروف أن لكل تحول للأمام إيجاب وسلب كما حال كل ماهية و شيئ ولكن البلدان التي شقت طريق الثورة الصناعية أنما شقت طريق التطور والقوة… وما نتج عن ذلك من استعمار كما تفكك اجتماعي للبنية القديمة و..و..و.

هذه خلفية ولكن, ما هي أهم النظريات الاقتصادية التي استخرجت من الممارسة الرأسمالية ووجهتها؟ ذلك أن الممارسة الرأسمالية لم تكن عفوية, وهي لم تكن عاقراً, بل ثمة جدلية بين الفكر والممارسة, كما الحال دائماً.

أهم المدارس :

1) المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية, وتحديداً آدم سميث في كتابه الأشهر ثروة الأمم وريكاردو. والأول اسكتلندي الأصل. وقد ركز على المصلحة الشخصية للإنسان, ومن هنا دعا لأوسع حرية اقتصادية. وهو يعتبر إجمالاً أب الاقتصاد الحديث. وقد عكف عقد من الزمن لكتابه “ثروة الأمم”  الذي لم ينفك لهذا اليوم من أشهر الكتب وأكثرها أهمية.

وهو منظرّ الثورة الصناعية, أي لقد واكب المتغير الأكبر حيث انتقلت بريطانيا من الإقطاع إلى الرأسمالية.

أما ريكاردو فهو بريطاني من أصل يهودي وقد نبذه والده لأنه تزوج من مسيحية. وعاش في نفس فترة سميث, وإن تأخر قليلاً, أي في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر, ولكن في نفس مرحلة التحولات الرأسمالية, وهو مدرس اقتصاد وتميز  بتشريحه للدخل القومي وتوزيعيه, وهو يعتبر من الأثرياء و تأثر بكتاب آدم سميث “ثروة الأمم” وقد انحازا معا للرأسمال الصناعي ونقدا معا الريع العقاري الذي يحصل عليه الإقطاعي من الأرض, سار على نهج سميث في تبيان قيمة العمل والحرية الاقتصادية السوقية (دعه يعمل دعه يمر, دعه ينتج دعه يبيع) بل ونادى ريكاردو بتأميم في ظل عدائه للإقطاع الذي يستنزف ربح رأس المال الصناعي.

وهناك اقتصاديون ليبراليون كلاسيكيون أخريين, ولكنهم كلهم لم يركزوا على حرية السوق كناظم للحياة العامة بما يستوجبه من  تحطيم لعلاقات الإنتاج الإقطاعية وبناها السياسة والثقافية-الدينية.

وكل الذين يؤمنون بحرية السوق يؤمنون بأن النظريات الاقتصادية الكلاسيكية قادرة على التوظيف الشامل لقوة العمل والتوظيف الشامل للموارد… طبعا سقط هذه الزعم مع الركود العظيم, أقصد الأزمة الكبرى بين 1929-1933 التي مات فيها الملايين جوعاً وانهار اقتصاد أوروبا وأمريكا وأفلست الآلاف والآلاف من الشركات وأغلقت مصانع أكثر منها والقي ملايين وملايين العمال في الشارع وهذا ما حدث لظهور الكينزيه… بل ويمكن القول أن هذه الأزمة كانت توطئة لظهور النازية والفاشية وبالتالي الحرب العالمية الثانية ايضاً.

واتكاءً على حريات السوق تقوم النظرية الكلاسيكية الرأسمالية على قاعدتين: أ-التنافس الذي يولد إنتاجاً وبالتالي استهلاكاً, أي أن حريات السوق القائمة على المنافسة تؤمن سلع وخدمات وأسعار وأجور وأن هناك توازناً بين الإنتاج الكلي والإنفاق الكلي, أي ثمة دخل يوازي في قوته الشرائية حجم الإنتاج. فلا يحصل اختلالاً بين الطلب والإنفاق. وعليه تؤمن حريات السوق مصلحة متبادلة بين المنتج والمستهلك وكذا توازناً بين العرض والطلب.

ورداً على الادخار ذلك أن الناس يدخرون لا يستهلكون قالوا إن الفائدة التي تؤمن للمدخرين تستوجب إيداع مدخراتهم في البنوك ليستثمرها رجال الأعمال (البرجوازية) وأن نسبة الفائدة مرتبطة بحال السوق وهذا يخلق توازناً. أي لن تؤسس استثمارات جديدة تؤمن نسبة فائدة ما إلا إذا تم استهلاك المنتج, وإلا تقلصت الاستثمارات بما يوجب تخفيض الفائدة. أي ثمة توازن بين الادخار والاستثمار وسعر الفائدة .

ب-القاعدة الثانية: تقوم على التوازن بين الأسعار والأجور أي التوازن بين الإنفاق الكلي والتوظيف الشامل. أي أن قيمة النقد المتداول في الدورة الاقتصادية, أو فترة ما, إنما تعادل قيمة الخدمات والسلع المتداولة. وحتى لو كانت تكاليف الإنتاج أكثر, يتم تخفيض الأجور فلا تحدث بطالة.

ويستمر التوازن بين قيمة الأجور مع قيمة الخدمات, وحسب اعتقادهم أن قيمة النقود تعكس قيمة المنتجات أخذين بالحسبان سرعة التداول فلا يحدث انهيارات أو تضخم مالي. أي أن سرعة النقود وسرعة التداول تتناسب مع الأسعار, وبالتالي يتساوى العرض الكلي مع الطلب الكلي ولكن هذا كله أصابه الاهتزاز مع اشتعال الأزمة الاقتصادية الكبرى, وإن كان قد أدى دوراً تقدمياً في مرحلة إنعطافية هي انتقال المجتمعات من الإقطاع إلى الرأسمالية, فظهرت المدرسة الكينيزية.

2) المدرسة الكينزية: وكينز بريطاني الجنسية وضع كتاباً مهماً عام 1936 “التوظيف الكامل” ناقداً النظرية الكلاسيكية بأنها, أي اقتصاد السوق الرأسمالي غير قادر على توفير الميكانيزم الذي يؤمن التوظيف الكامل فتحصل البطالة. وقد أثار جدلاً لأن ما سبقه كان من قبيل المسلمات, ساعده في ذلك الأزمة التي هزت قلاع رأس المال حينذاك.

وأهم ما أضافه كينز ( الكينزية): أ- ثمة عدم انسجام وتوازن بين المدخرات والاستثمار. وأن الادخار يعني تقليص الاستهلاك بالتالي فائض في العرض والخدمات وليس توسعاً في استثمار “رجال الأعمال”. فانكماش الطلب لا يفضي إلى زيادة الاستثمارات, بل ودوافع الادخار ليست نفسها أهداف الاستثمار.

ب- ثمة عدم توازن وتجانس بين الأسعار والأجور, أي أن انخفاض الأجور قد يقود إلى مزيد من الاستثمارات وبالتالي التوظيف الكامل, و قال أن هناك برجوازيون (مستثمرون) مسيطرون على السوق (احتكاريون) ولا يسمحوا بتخفيض الأسعار عندما ينخفض الطلب, فتواجههم النقابات العمالية القوية التي تعارض تخفيض الأجور.

وبالتالي تحدث عن الإنفاق الكلي والطلب الكلي فقال أن الاقتصاد يتكون من (قطاع الإنتاج والأعمال/قطاع الاستهلاك/القطاع الحكومي/القطاع الخارجي) وكانت النظرية الكلاسيكية تركز على قطاعين  (الإنتاج والاستهلاك) بينما همشّت القطاع الحكومي الذي غدا دوره كبيراً أو يمكن أن يكون كبيراً في النشاط الاقتصادي بما يشكله الإنفاق الحكومي  من نسبةً في الإنفاق العام, وإن تخفيض الضرائب يفضي إلى زيادة الاستهلاك لدى الأفراد بما يزيد الإنفاق الكلي, وقد أطلق على الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب أسم “السياسة التوسعية” التي يتعين على الحكومة إتباعها في حالة الانكماش والركود, أما تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب فأسماها “السياسة الانكماشية” التي تتبعها الدول في حالة التضخم المالي. وكلا السياستين أسماهما “السياسة المالية للدولة”.

وأن التوازن في ميزانية الحكومة يتحقق من خلال ضبط الإنفاق بما يعادل عوائد الضرائب, أما إذا زاد الإنفاق وبقيت الضرائب على حالها حينذاك يحصل خللاً وعجزاً.

وأخيراً القطاع الخارجي أي الصادرات والواردات, والتعامل هنا يتم بالنقد وللنقد بداهة عدة فوائد (قياس القيمة/للتبادل/للادخار) و يعادله رصيد ذهبي أو فضي مودع في البنك, أو للمضاربة,بينما كان للنقد وظيفة واحدة في النظرية الكلاسيكية (التبادل)… وكلما كان التصدير أكبر كان الميزان التجاري رابحاً أكثر.

وكلمة أخيرة, لا يمكن الاستهانة بإضافات كينز النظرية في حقل الاقتصاد, ومحاضرتي لست متخصصة في هذا الشأن, وما أود التنويه له أن كينز أعطى دوراً للدولة, ولم يترك المسألة فقط سوق حرة….وروزفلت الرئيس الأمريكي وسواه أخذوا بأطروحاته وبوجه عام لقد سيطرت الكينزية إلى أواخر الثمانينيات تقريباً.

ولكن ظهر في أمريكا اللاتينية اجتهاد في الخمسينيات والستينيات وأستمر لما بعد ذلك, أُسمي المدرسة البنيوية.

3) المدرسة البنيوية: في أصلها مدرسة أدبية تقرأ النص الأدبي أو الشعري كبنية في كليته وليس في أجزائه, وهي مدرسة فرنسية في الأساس. وليس هذا موضوعنا, ولكن ما يهمنا هو ترجمة هذه المدرسة في الاقتصاد, كونها إحدى المدارس التنموية.

وقد نظرت لمجمل العناصر التنموية ككل, موارد وثروات وبشر وظروف خاصة قومية, وغرضها بداهة كما سواها أعلى معدل تنموي, ولكنها قالت أيضاً بأن تكون التنمية في مصلحة الأغلبية وأن تكون مستدامة, ولئلا ينشأ التباس, فهذه المدرسة كما السابقات تندرج في إطار الرؤية الرأسمالية إجمالاً, ولكنها أول مدرسة تنموية انبثقت من العالم الثالث, المحيط, ولم يكن مركزها أوروبا أو أمريكا… وهي أشبه بمركز أبحاث نشأ في تشيلي وأنتج سياسات تنموية تركزت في قبضة أطروحات أهمها التصنيع/توفير فرص عمل/الدولة كضمان/تنمية الابتكار وزيادة التنافسية/عدم تركيز الثروة في أيدي أقلية لأن ذلك يعود بالضرر على التنمية.

ولكنها تجاهلت نظرية التبعية ولذلك أخفقت على نطاق واسع وارتفعت أسهمها ثانية بعد الأزمة الاقتصادية 2008, وزعيمها هو راؤول بربيش, وثمة ترجمات جزئية لهذه المدرسة في البرازيل اليوم بالاعتماد على الذات والموارد المحلية وليس القروض الخارجية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسواهما… كما دعت لاستثمار ثروات البلاد في الداخل, أي المدخرات, وليس تصديرها للخارج كما حال الرأسمال العربي الذي بلغت حجم ودائعه في الخارج أكثر من 1.4 تريليون دولار.

وبربيش اقتصادي أرجنتيني أنتقد المدرسة الكلاسيكية كما نظرية المركز للمحيط, الذي لا يفهم خصائص المحيط ومتطلبات تنميته… وهذا مألوف عادة, أقصد التناقض بين” خطاب الشمال وخطاب الجنوب” في كافة الميادين وليس في الاقتصاد فقط… وقد اشتد التناقض في عصر العولمة, حيث تحاول الاحتكارات المعولمة وأقواها الاحتكارات الأمريكية الهيمنة على العالم, ولذلك صلة بالمدرسة الجديدة.

4) الليبرالية الجديدة: معروف أن الثورة الصناعية بدأت في الغرب (أوروبا) وتحديداً في بريطانيا, وفي علاقة جدلية معها نشأت الليبرالية, ومفكرها الأكبر آدم سميث الذي دعا لعدم تدخل الدول في الشؤون الاقتصادية ورفع القيود عن التصنيع والتجارة… وقد استمرت هذه الرؤية التنموية حوالي القرنين حتى الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929-1933 ومجيء الكينزية,كما ذكرت في حديثي  أمس. وكينز دعا لتدخل الحكومات والبنك المركزي بما يكفل نمواً كاملاً للرأسمالية والتوظيف الكامل للموارد وقوة العمل.

ولكن الشركات العملاقة ( الاحتكارات) في السبعينيات والثمانينيات,أي الشركات متعددة القومية استعانت ثانية بالنظرة الليبرالية وأصبح أسمها الليبرالية الجديدة وقد جاءت في عصر الثورة التقنية, و تعززت بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وأنظمة أوروبا الشرقية, وظهور العولمة والشركات متعدية الجنسيات التي بات مشروعها التنموي الهيمنة على الكرة الأرضية وتحويلها إلى سوق واحدة تحت سيطرتها مما اقتضى تأسيس منظمة التجارة العالمية التي تشترط فتح الحدود ورفع الحماية الجمركية وحرية تنقل البضائع ورأس المال.

وبالتالي فالليبرالية الجديدة هي:

1) هيمنة السوق تماماً ورفع القيود التي تفرضها الحكومات شطب دور الدولة في الرقابة والتنمية والتشغيل, بل وذهبت لتخفيض الأجور وتقليص الموازنات للتعليم والصحة وتأمين الشيخوخة والبطالة…أي دون اهتمام بالنتائج الاجتماعية المترتبة على وحشية السوق وتمركز الثروات ومراكز القوى في أيدي الاحتكارات العملاقة أي نسبة لا تزيد عن 1% من البشرية.

2) الحرية الواسعة لرأس المال استثماراً وإنتاجاً و تسويقاً, بما نتج عن ذلك من تلويث للبيئة واستهلاك لثروات الكرة الأرضية و مساس بالأمن الصناعي و أمراض.

3)الخصخصة, أي بيع مشروعات القطاع العام الذي تمتلكه الدولة إلى الرأسماليين (قطاع البنوك,السكك الحديدة,الكهرباء,الهاتف,المستشفيات,الجامعات,المناجم,المشروعات الصناعية),

بما زاد من مركزة الثروة وتسريح أعداد من العاملين  فارتفعت نسبة العاطلين عن العمل وهي اليوم أكثر من600 مليون في العالم وفقر يشمل أكثر من 2 مليار نسمة.

وهذا كله يتطلب غطاءً ثقافياً و ايدولوجياً موازياً يركز على الحريات الفردية والمسؤولية الفردية باسم المصلحة العامة فيما يتقلص دور الدولة فاتسعت الطبقات الفقيرة وانتهكت على نطاق واسع حقوق الإنسان والأطفال والشعوب في المحيط, ويقوم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بتسويق وترويج هذه الثقافة.

أما المنظر الأكبر لهذه الليبرالية فهو ميلتون فريدمان, وكانت هذه الليبرالية السبب الجوهري في اشتعال الأزمة المالية التي استحالت اقتصادية عام 2008 ولم يخرج منها العالم لهذا اليوم, حتى أن الروس والصينيين في اجتماعات الدول العشرين قد اقترحوا تدخلاً للدولة في مراقبة البورصة, أي مركز ثقل رأس المال اليوم, حيث تباع أهم الوحدات الاقتصادية و المرافق على شكل أسهم, بما بصاحب ذلك من مضاربات, غير أن بوش الابن اعترض واعتبر ذلك مساساً ايدولوجياً, ولم تتوافر الشروط ألا بعد فوز أوباما, الذي نجح في دورته الثانية في تمرير قانون التأمين الصحي خلافاً لرغبة الحزب الجمهوري.

كل ما عرضته أنما يتواشج وهو في صلب الرؤية التنموية الرأسمالية الأكثر تطرفاً أو الأقل تطرفاً, أما المساحة المتبقية من محاضرتي فهي المدرسة الأخرى, المدرسة الاشتراكية.

محاضرتي الثالثة حول الاقتصاد الاشتراكي, وهذا الاقتصاد يقوم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج, أي الملكية الاجتماعية للدولة, كما على الملكية التعاونية سواء كانت إنتاجية أو زراعية أو خدماتية, وهي تعود للتعاونيين.

-وهذا يقتضي بعض التوضيح :-

1) أن الرؤية الاشتراكية قادت دول كبرى وعظمى وبلدان أصغر شأناً, أي أنها ليست نبتاً شيطانياً أو شعارات مزعومة, ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي فقد أنجز ما أنجز, واليوم هذه الرؤية مرجعية للتجربة الصينية والعديد من البلدان كفيتنام وكوريا الشمالية وكوبا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية حيث يحكم اليسار سيما في البرازيل وفنزويلا.

2) يقصد بوسائل الإنتاج المصانع والمناجم والبنوك والشركات والمزارع والأرض وكافة المرافق الخدمية, أي كل ما يمت بصلة للعملية الاقتصادية بمجملها بما في ذلك المستشفيات والجامعات والمؤسسة الإعلامية والثقافية.

3) يقصد بالملكية الاجتماعية ملكية الدولة كشخصية اعتبارية وكلما تطور الاقتصاد تكون ملكية الدولة أكبر سواء بفعل التأميم بعد انتصار الثورة بالسيطرة على السلطة, والتأميم قانون اشتراكي, ولكن الرأسمالية الصاعدة أقدمت عليه في بدايات عهدها عندما انتصرت الثورة الفرنسية 1789 وسواها, وهي اليوم تعارضه بقوة.

والتأميم عادةً يشمل وسائل الإنتاج الثقيلة ( بنوك كبيرة,مصانع كبيرة,ومناجم,أراضي واسعة, تجارة خارجية, مرافق هامة وكالكهرباء,الهاتف,الجامعات,المستشفيات) وهذا مرهون بمستوى التطور وتمركز الثروات, والتأميم لا يذهب للملكيات المتوسطة والصغيرة.

وكلمة ماركس مهمة هنا كونه مؤسس ومنظر الفكر الاشتراكي ( أن الاشتراكية تشترط تطور قوى الإنتاج) أي لا تقوم في بلدان متخلفة وفقيرة, بل ترتبط بالمجتمعات الأكثر تطوراً, إلا إذا قامت دولة اشتراكية بمساعدة بلد متخلف على السير نحو الاشتراكية, وعندما لا تكون متطورة تقوم السلطة اليسارية بأحداث تنمية متعددة النماذج على طريق الاشتراكية, وهذا أتطرق له لاحقاً,ولا أنسى أنه  يضاف لملكية الدولة المشروعات التي تؤسسها بعد انتصار الثورة في كافة المجالات.

وعليه فاللدولة دور كبير وحاسم وملكيتها كبيرة وحاسمة وتضمن توزيعاً عادلاً للثروات كنقيض للاقتصاد الرأسمالي الذي يقوم على حرية السوق والملكية الخاصة للرأسمالية والاحتكارية.

لكن هناك سوق في الدولة الاشتراكية, وهو السوق الاشتراكي بين وحدات الإنتاج الاشتراكية والتعاونية, وهذا يتحقق بتدرج والمراحل الانتقالية تتسع لوحدات اشتراكية وغير اشتراكية ( ملكيات خاصة , ورأسمالية دول أي ملكية مشتركة للدولة والقطاع الخاص سواء كان داخلياً أو خارجياً).

وموظف الدولة سواء كان الرئيس أو الغفير, مديراً أو حاجباً هو مجرد موظف ليس له حصة خاصة في ملكية الدولة, فالدولة شخصية اعتبارية وأملاكها ملكية جماعية لكل الشعب.

أما الملكية التعاونية فهي التي يؤسسها الحرفيون (نجارون,حدادون,حياكة,أخشاب….) من أصحاب الإنتاج الصغير الذين يرون في تشريك وسائل إنتاجهم فرصة لاستخدام التكنولوجيا والتكامل بما يعود عليهم بدخل أعلى, وتصبح التعاونية وأرباحها ملكية جماعية لهم.

وهذا حال التعاونيات الزراعية, التي قد تشمل الواحدة عشر عائلات أو أضعاف ذلك, فيساهم التعاونيون الزراعيون بما يملكونه من أراض وحيوانات وأدوات وتصبح ملكيتهم تعاونية ولنفس الغرض السابق وفي الحالتين تقوم الدولة الاشتراكية بمساعدة هؤلاء التعاونيون بتكنولوجيا حديثة وخبراء بنية زيادة منتوجهم وتحسين شروط حياتهم.

1) تشريك وسائل الإنتاج :- أي تصبح الملكية الاقتصادية مشتركة واشتراكية بما تتطلبه من تطور في قوى الإنتاج, أي الإنسان بمهاراته ومؤهلاته ورؤيته الفكرية الاشتراكية وأدوات العمل من آلات ووسائل عمل.

وهذا كله نابع من قانون “الطابع الاجتماعي للعمل والطابع الخاص للتملك” والذي يسود في الرأسمالية, فتقوم الاشتراكية بحل التناقض لكي يصبح “الطابع الاجتماعي للعمل والطابع الجماعي للملكية”, وبذلك يتم التخلص من القانون الأساسي في الرأسمالية, أي فائض القيمة, وأظنكم تذكرون محاضرتي قبل شهرين وأكثر حول هذا الموضوع, وملخصه التبسيطي لكي أربط سياق محاضرتي وحسب, أنه مصدر الربح لدى الرأسماليين من أصحاب وسائل الإنتاج ذلك أنهم يدفعون أجرة للعامل والشغيل والموظف فيما يسمى يوم العمل الضروري أي ساعات من العمل, فيما يستأثرون بساعات أخرى, أي يوم العمل الإضافي الذي يولد الربح, أي فائض القيمة, وهذا حال الأرباح الناتجة عن التصدير حيث تنهب جيوب الشعوب المستهلكة وتذهب الأرباح للاحتكارات الرأسمالية.

ومعروف لكم أنه في المجتمع الإقطاعي يسود قانون الريع العقاري, أما في الرأسمالية فيسود قانون فائض القيمة مصدر استغلال العمال والشغيلة ومصدر تراكم الثروات لدى الرأسماليين واحتكاراتهم, علاوة على العلاقة المبنية بين دول المركز واحتكاراته والبلدان النامية حيث يبتاعون موادهم الخام بأسعار زهيدة ويبيعون لهم مواد مصنعة بأسعار مجزية فينهبون ثرواتهم ويسدون طريق نموهم, وشيئ مماثل تقوم به البنوك وقروضها حيث ناهزت مديونية العالم النامي اليوم 2 تريليون دولار وهي في أساسها لا تتعدى 700 مليار دولار تراكمت فوائدها سنة بعد سنة ومطلوب من الشعوب تسديد هذه الفوائد و المبالغ الفلكية.

4) هدف الاقتصاد الاشتراكي تلبية حاجات الناس بأكبر قدر من العدالة بحيث توزع الكعكة على المجتمع ولا تستأثر بها الاقيلة , ففي أمريكا مثلاً هناك 3% يسيطرون على 90% من الاقتصاد, وشيئ مشابه في اليابان والمانيا.

وثمة فارق نوعي بين أن يكون هدف الاقتصاد الاشتراكي انتاج سلع وخدمات في خدمة الانسان وبين الاقتصاد الرأسمالي الذي يستهدف الربح, وكي يتحقق الربح عليه إنتاج سلع وخدمات لها قيمة استعمالية, علما أنه ينتج احيانا لوحات وتحف بملايين الدولارات بما لا يشكل حاجة حقيقية أو على الأقل ليس لها الأولوية, دون أن ننسى أزمات فيض الإنتاج حيث ينتج سلعا تتجاوز القدرة الشرائية للمواطنين فتتراكم السلع وهذه المرحلة الأولى من الدورة الاقتصادية أو الأزمة الاقتصادية بما يتولد عنها من انهيارات ودمار.

5)يقوم الاقتصاد الاشتراكي  على التخطيط المركزي, أي خطة تضعها الدولة بالاستناد إلى الخطط المحلية للمشروعات والوحدات الاقتصادية بما يضمن توظيف لموارد الدولة وقوة العمل دون بطالة تذكر أو أزماتت فيض إنتاج تذكر.

طبعاً يمكن أن تحصل إخلالات بسبب البيروقراطية ولكن هذا ليس في صميم النظريات الاقتصادية الاشتراكية, وإنما في صميم النظام السياسي عندما يكف عن التجديد وتتراخى فيه الرقابة والنقد والضغط القاعدي, وهذا الموضوع عموماً يتصل بالديمقراطية الأمر الذي يستحق وقفة منفصلة, وأختتم حديثي عن الاقتصاد الاشتراكي بالإشارة إلى :-

أ- الطور الاشتراكي هو الطور الأدنى حيث يسود قانون من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله, أي ليس فائض القيمة كما في الرأسمالية, إذ لا أحد لديه ملكية اقتصادية استغلالية وبالتالي لا يقوم بتشغيل أيدي عاملة ويستغلها, إن قوة العمل أياً كان إسمها في قطاع الدولة أو في القطاع التعاوني إنما تبذل طاقتها وما تنتجه تتقاضى أجراً عليه, وأية استقطاعات لا تذهب للبرجوازية, إذ ليس ثمة برجوازية وإنما للدولة التي تؤمن تعليماً مجانياً وعلاجاً مجانياً وتوسع مرافق الرفاهية  المجانية وتبني جيشاً لحماية الوطن وتحرص على تأمين سلع شبه مجانية ( الكهرباء,الطاقة,الماء) أو مجانية أي لخدمة الجميع. وهنا ثمة ألتباس فمن جهة أن هذا لا يتحقق إلا بتدرج, أي أن الاقتصاد يمر بمراحل انتقالية إلى أن يبلغ تشريك وسائل الإنتاج, أي ثمة قطاع برجوازي صغير او متوسط وأحياناً كبير في المراحل الانتقالية, أنظروا للتجربة الصينية اليوم, فهي تقول تنمية على طريق الاشتراكية, ولكن قطاع الدولة والقطاع التعاوني ينمو سنة بعد أخرى إلى أن تذوب الملكيات الخاصة.

ولكن الملكية الفردية تستمر, أي البيت والسيارة والراتب وحديقة المنزل والمقتنيات, ولكن هذه لا تعود بربحية على صاحبها فهي للاستهلاك فقط.

.  وهذا الطور مرت به تجارب الاشتراكية المحققة, أي التي عرفتها البشرية, ولم تكتمل بل وانهارت في عدة حلقات وأهمها القلعة السوفيتية, أي ثمة صراع هنا وقد تنتصر قوى الاشتراكية أو قوى العودة للرأسمالية.

ومن جهة أخرى ان السلطة الاشتراكية لا توجه سهامها للقطاع الصغير و المتوسط في مراحل تأسيس الاشتراكية بل تؤمم الصناعات الكبرى والموانئ والتجارة الخارجية والبنوك و الشركات التي يتركز فيها رأس المال , وهذه في البلدان الرأسمالية المتطورة تشكل بين 80-90% من الكتلة الاقتصادية ويملكها بين 1-5% من الناس بينما يعمل فيها 50-60% من قوة العمل.

أما القطاع الصغير والمتوسط فهو الذي يشكل 10-20% من الاقتصاد فيملكه بين30-40% من الناس, و احتكار رأسمالي واحد يملك ما يملكه كل هؤلاء وبالتالي فهم ليسوا هدفاً للتأميم.

وفي بلادنا يحرض أعداء الاشتراكية قائليين أنكم تريدون تأميم بيتي أو بستاني أو مشغلي, وهذه سخافة ذلك أن هذا القطاع غير مستهدف بل وتقوم الدولة بتقديم الخبراء والتكنولوجيا والري الحديث والقروض وتتعاقد معهم  لمساعدة هذه القطاع لمضاعفة إنتاجه.

وأحياناً يقولون “تريدون تأميم النساء” وجعل النساء مباحات للجميع بينما العائلة النووية أي رجل لأمرأة بما لهما من أطفال تستمر في الرأسمالية والاشتراكية, فهذا تطور تاريخي ويستمر, أما النظرة التقليدية للمرأة بانها حبيسة البيت ومهمتها الطبخ والنفخ فقط فهذا يندثر سواء في الرأسمالية أو الاشتراكية, ذلك أن المرأة إنسان ومن حقها أن تختار دورها في الحياة كإنسان وليس كتابع, طبعا تندثر سيطرة الرجل وانجلز ناقش هذه المسألة في كتابه “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”.

والجديد أن الأخلاق الليبرالية الرأسمالية قد سببت بطالة في صفوف النساء بما دفع البرجوازييين لأستغلال أجسادهن مقابل المال, أي التمتع في بنات الفقراء, وهذه الظاهرة تندثر إذ تتوافر الشروط التي تؤمن للمرأة كرامتها وسبل عيشها الكريم فلا تضطر لبيع نفسها وتختفي بالتالي بيوت الدعارة المنتشرة في الرأسمالية.

استذكر أن الوفد الفيتنامي الذي استقبل وفداً قيادياً للشعبية على رأسه الشهيد أبو علي عام 1989 تحدثت رئيسة إتحاد المراة الفيتنامي وهي عضو م.س قائلة ( لقد أورثنا  الاستعمار الأمريكي في سايغون ( هوتشي مين) نصف مليون عاهرة) وهذه الظاهرة اندثرت بعد أن أعدنا تأهيل النساء ووفرنا لهن فرص عمل.

جدير أن أخصص محاضرة للمرأة, علماً أنني تناولت زوايا في كتاب “مداخل لصياغة البديل” وقد لاحظت أنه في مكتبتكم, وهذا سرني فهو محاضرات ألقيتها قبل حوالي من 20 سنة في سجن النقب.

ب- الطور الشيوعي, وهذا طور أعلى ولم تصله البشرية بعد, وفيه تختفي الحدود بين الدول وتنطفئ الدولة كجهاز للقمع الطبقي “حسب التعبير اللينيني”, وترتقي التكنولوجيا ومهارات الإنسان وتصبح قادرة على تلبية حاجات الإنسان فيتحقق قانون “من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته” وصولاً إلى ظهور الإنسان الشامل أي القادر على مزاولة عدة مهن ومهارات بإنتاجية عالية,  كما تزول الفوارق بين الريف والمدينة, وهذا تصور مستقبلي,

لكن ينبغي أن نلاحظ أن دول أوروبا الرأسمالية توحدت في ظل الرأسمالية, فلماذا لا تتوحد البشرية في مرحلة مستقبلية عندما تزول عوامل الحرب والهيمنة والاستغلال, وبديهي أن التاريخ لا يتوقف فهو في صيرورة دائمة ولا نهاية له.  

والآن أنتقل إلى الرؤية التنموية المستقلة في بلدان المحيط أقصد البلدان التي تمردت على المركز الرأسمالي.

ولئن قال ماركس ( يا عمال العالم اتحدوا) وأضاف عليه لينين ( يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدي) أي الشعوب الثائرة على الاستعمار و الإمبريالية, واعتبر الثورة التحررية المعادية للإمبريالية جزء من الثورة الاشتراكية فهذا يمكن أن ينطبق على الرؤية التنموية الاستقلالية في البلدان المتحررة.

والنموذج الفيتنامي هو نموذج أصيل هنا, فالشعب الفيتنامي قاتل ببسالة إلى أن طرد المستعمر الياباني ومن بعده الفرنسي تلاه الأمريكي بقيادة حزب الشغيلة ( الحزب الشيوعي اليوم) وكان نمط الإنتاج السائد هو الفلاحي  و البضاعي الصغير والاقطاعي إذ لم يكن ثمة مصانع ضخمة أو زراعة حديثة أو شركات رأسمالية كبيرة وهذا كله كان تابعاً للمستعمر.

وبعد الانتصار وتوحيد البلاد 1975 راحت السلطة الاشتراكية تسرع الخطى في مشروع تنموي مثابر سيما في حقل الإنتاج من زراعة وصناعة وكذا قطاع خدمات ,فكهربت البلاد وأسست الجامعات وشقت الطرق ومدت شبكات المياه والصرف الصحي وهذه العملية مستمرة.

بعلاقات قوية مع الإتحاد السوفيتي السابق وبقدر أقل مع الصين, ولكن بالاعتماد على الذات أولاً, وفيها بداهة نماذج اقتصادية متعددة ( قطاع الدول الاشتراكي, القطاع التعاوني, القطاع الفلاحي القطاع البضاعي الصغير  الخاص, قطاع البضائع الصغيرة الخاص, قطاع رأسمالية الدولة, القطاع المشاعي من أراضٍ وأنهار  تابع للدولة) وشيئ مشابه في الصين, وفي كوبا, وفنزويلا,و و مع تفاوت في مستوى التحول الاشتراكي.

ولكنها جميعها فكت ارتباطها وتبعيتها للسوق الرأسمالية, وحررت ثروات البلاد من النهب الإمبريالي, وباتت موارد البلاد تستثمر في تنمية البلد وفي خدمة الطبقات الشعبية, والفارق هنا درجة الاستقلالية وفي نسبة الملكية العامة والتعاونية في الاقتصاد القومي كما في تجذر الحزب الحاكم وكفاءته وانتشار الثقافة الاشتراكية.

وعربياً لقد حاول عبد الناصر (تأميم ملكيات الإقطاع, توزيع الأراضي على الفلاحين, تنمية صناعية معينة, استقلال سياسي يحرص على سيادة الدولة التي اضطرت لخوض معارك ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية, التحالف النسبي مع المعسكر الاشتراكي, توسيع قطاع التعليم المجاني).

– ولكن لماذا أرتد النظام المصري ولم يرتد النظام الكوبي أو الفيتنامي؟

ذلك أن القوة الاجتماعية وحزبها الحاكم مختلفان في هذه الدول. فسلطة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة حكمت مصر وبالتالي ارتقت شرائح فيها إلى مواقع البرجوازية التابعة في زمن السادات فأرتدت  التجربة , كما لم يكن لها حزبها الماركسي الاشتراكي بينما في فيتنام أو كوبا فالحزب الحاكم يساري ماركسي ويمثل القوى الاجتماعية الشعبية التي تتبنى خياراً اشتراكياً ولا يسمح اقتصادها أو سياستها بتسلق شرائح برجوازية إلى الحكم.

والمهم هنا أن النظرة أو النظرية التنموية المستقلة وسلطتها الحاكمة لا تسمحان للشركات الإمبريالية بنهب ثروات الوطن, و لا تسمحان بصعود طبقات برجوازية تستأثر بحصة الأسد من الاقتصاد الوطني, أي لا برجوازية كومبرادورية تابعة للمركز الإمبريالي ولا برجوازية قومية تستغل الشغيلة على تطاق واسع وتستأثر بالاقتصاد الوطني.

من جهة أخرى, السير في خط تراكمي على صعيد اقتصادي وتعليمي وثقافي وسياسي لفك التبعية وإنتاج ما تحتاجه السوق الوطنية وإقامة علاقات  متكافئة مع دول صديقة لا أهداف استعمارية لها, وتنشئ المصانع والمزارع وقطاع الخدمات والجامعات و الإعلام والثقافة والفنون و و ….. دون الارتهان لمديونية وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو اشتراطات منظمة التجارة العالمية.

يمكنني أن أضيف على هذا العرض الموجز عند الإجابة على الأسئلة والمداخلات, ولكن قبلئذ, من المفيد التذكير أن الفكر الرأسمالي الليبرالي يقول بأن التنمية المستقلة مستحيلة, أي يدعو لحرية السوق وارتباطه بمنظمة التجارة العالمية, ذلك أن السوق العالمية مترابطة وقوة العمل كما رأس المال باتا عالميين…..ولكن كل ذلك لكي يتاح  للشركات العملاقة كيما تنهب موارد بلدان المحيط, ولكن التجربة السوفيتية سابقاً والصينية حالياً وبلدان التوجه اليساري والتنموي قالت بغير ذلك, إذ لا مهرب من تنمية وطنية مدعومة بإجراءات حمائية لا تجيز للشركات المعولمة باستباحة الأسواق المحلية الأسواق المحلية ,ويكفي أن ننظر للتجربة البرازيلية مثلاً حيث بات لديها اكتفاء ذاتي في اللحوم والحمضيات والزراعة عموماً وقفزت الصناعة التي تلبي احتياجات الزراعة والسوق المحلية كما التصدير  حتى على الصعيد التكنولوجي ( الطائرات والدبابات والنسيج) وصولاً إلى إحراز وثبات في المدن باتت تستوعب أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الذي يناهز 200 مليون نسمة بما أهلها للانضمام أو المشاركة في تأسيس محور البريكس مع روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا .

أي أن التجربة الإنسانية  أثبتت خطاً منظرو الرأسمالية الليبرالية.

ShareTweetPin
أحمد قطامش

أحمد قطامش

اقرأ أيضًا

إلى الأحبة: رسالة من الأسر
سياسة ومجتمع

إلى الأحبة: رسالة من الأسر

بل هوكس
11/30/2020
عن تطبيع السقوط
سياسة ومجتمع

عن تطبيع السقوط

نضال خلف
02/10/2020
فلسطين 2020: العنف سبيلنا
سياسة ومجتمع

فلسطين 2020: العنف سبيلنا

أحمد همّاش
05/11/2020
المجتمع المدني الفلسطيني: بين شروط المانح ودوره الوطني
سياسة ومجتمع

المجتمع المدني الفلسطيني: بين شروط المانح ودوره الوطني

جنى نخال
01/23/2020

عن اتجاه

منصّة سياسية وثقافية واجتماعية ونقدية. وهي مبادرة فلسطينيّة تطوعيّة مستقلّة لا تتبع أحدًا.

تُعنى اتجاه بفلسطين بشكلٍ خاصّ، ضمن موقعها من العالم والتاريخ وسياقها التحرّري من الاستعمار.

شروط الاستخدام

محتوى اتجاه مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط (hyperlink)، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.

الاشتراك بالنشرة البريدية

  • الرئيسية
  • سياسة ومجتمع
  • ثقافة وفن
  • تلامذة
  • تدوينات
  • إصدارات الجريدة
  • دون تردد

جميع الحقوق محفوظة - اتجاه 2020

No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • سياسة ومجتمع
  • ثقافة وفن
  • تلامذة
  • تدوينات
  • إصدارات الجريدة
  • دون تردد