بشار المصري يلتقي رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي في روابي.
–
يُعرِّف فرانز فانون في كتابه معذبو الأرض المدينة فيقول: "إنَّ مدينة المستَعمِر (المستوطن) مدينة صلبة مبنيّة بالحجر والحديد، مدينة أنوارها ساطعة، وشوارعها معبّدة بالأسفلت، وصناديق القمامة فيها ما تنفك تبلع نفايات ما عرفها الآخرون ولا رأوها يوماً، ولا حلموا بها يوماً. أما مدينة المستعمَر، أو مدينة السكّان الأصليين، أما القرية الزنجية، أما بلدة الأهالي، أما الحي الذي يُحظَر على الأوروبيين أن يتجوّلوا فيه فهو مكان سيّئ السمعة يسكنه أناس سيّئوا السمعة. فيه يولد الناس أياً كان وكيف كان. وفيه يموت المرء أين كان، وبأي شيء كان. هو عالم بلا فواصل، الناس فيه يتكدّسون فيه بعضهم فوق بعض، والأكواخ تتكدّس فيها بعضها فوق بعض. إن مدينة المستعمَر، مدينة جائعة، جائعة الى الخبر، وإلى اللحم، وإلى الأحذية، وإلى الفحم، وإلى النور. مدينة المستعَمر مدينة جاثية، مدينة راكعة، مدينة متدحرجة في الوحل.
تعمل روابي على صناعة طبقة فلسطينيّة جديدة، فمن خلال الإعلانات الترويجية للمدينة يظهر وبوضوح أنها تستهدف الطبقة المتوسّطة والطبقة الرأسمالية وهذا يعني تعزيز التفاوت الاجتماعي، ولا تقف حدود المسألة على تعزيز التفاوت الطبقي في المجتمع الفلسطيني، فالمدينة الجديدة هي محاكاة واضحة لفكرة الفلسطيني الجديد، الذي تعمل مراكز أمنية متخصّصة في الدول الغربية وخاصّة الولايات المتحدة على صناعتها، فإعادة تشكيل شبكة الأمن الفلسطينية بجعلها أكثر طوعية وخدمة للمشروع الاستعماري بحاجة إلى هندسة اجتماعيّة تعيد إنتاج الفلسطيني، تكون أحد أولويّاته السكن في مكان تتلاشى فيه الفوارق بين الفلسطيني والصهيوني بناء على أفكار نيوليبرالية، إذ ستعمل روابي بمبدأ التطهير الاجتماعي بما يخدم مصالح المنتفعين: من مستعمِر، وسلطة تحت الاحتلال، ومستثمرين جشعين، ومؤسّسات مالية دولية تخضع لإملاءات إمبريالية من القوى العالمية المهيمنة.
موقع روابي وانصياعها لشبكة الطرق الالتفافية، ينمّ عن وظيفتين ستلعبهما مدينة روابي، فاعتبار للافتراض القاضي بأنها، عمرانياً، وتخطيطياً، اقتصادياً، وثقافياً، تتّجه باتّجاه المدينة الحديثة، مما يجعلها في الشكل العام أقرب للمستوطنات المجاورة لها، سيجعلها فضاء أشبه بسجن تُخضع من يسكنها إلى أولويات مختلفة، وبالتالي لن تنتج فعل مقاوم بل على العكس ستعزّز من التبعية للاحتلال، وستمارس عملية ضبط ومراقبة على قرى الجوار، بحكم حداثتها واشتمالها على تقنيات المراقبة، من كاميرات، أنظمة أمن مختلفة، واستهدافها لشريحة معيّنة من السكان.
فاذا كانت مدينة روابي تخضع لسيطرة شبكة الطرق الالتفافية ذاتها التي تخضع المدن والقرى، فهذا يعني أنها لن تستطيع أن تقدّم نفسها على أنّها مدينة نموذجية حديثة سكّانها يمتلكون حرّية التنقّل من مكانٍ إلى آخر في أي وقت وأي زمن، فهي تقع ضمن نطاق مراقبة الحركة والتحكّم في الزمن.
هنا يمكن التوقّف لحظة للتأمل، فروابي كمدينة حديثة ستطرح نموذجاً للتأديب لا تسيطر فيه على الحركة بشكل مطلق، ولن يخضع الإنسان فيها كما المحيط المجاور لها لسياسات السيطرة الكاملة، بل سيكون التحكّم والمراقبة عن بعد، هنا سيتم التميز بين الحركة الصالحة والحركة المؤذية، ففي حين ستكون حركة سكان قرية النبي صالح أو قرية أم صفا القريبتان من مدينة روابي بالنسبة للاحتلال حركة مؤذية، لن يكون الأمر ذاته متعلق بسكان المدينة الجديدة الأقرب للتعايش مع المجتمع الصهيوني.