كما هو متوقع أثار تصريح أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة لانتخابات الكنيست الصهيوني، عاصفةً من النقد الجذري، كما وللدفاع عنه وعن تصريحه. ما الذي قاله عودة بدايةً؟ قال في مقابلة مع إذاعة ريشت بيت أنَّه يعترف بحق تقرير مصير اليهود في فلسطين ببناء دولتهم في أراضي العام 1948.
بداية، تصريح كهذا في عز الانتخابات للكنيست الصهيوني لا بد أن يثير الأسئلة حول توقيته، خاصةً أنَّ عودة نفسه كان قبل أيام قد صرَّح أنَّ دعمه لحكومة يشكلها مع أزرق/ أبيض (ضمن شروط) هي إمكانيَّة قائمة، الأمر الذي استتبع حينه انتقادات لتصريحه حتى من شركائه في القائمة المشتركة.
يبدو كأنَّ تصريح (حق تقرير المصير) يخدم التصريح الثاني (الدعم الحكومي)، على الأقل من زاوية توقيت التصريحين. ومن جهة ثانية بما أنَّ تصريحات عودة والعديد من قيادات المشتركة كانت تركز على هدف إسقاط نتياهو كهدف رئيسي، فما المانع من التحالف مع غانتس لتحقيق ذلك؟! وبالتالي، حاول عودة وفريقه إظهار حسن نوايا للتجمع الاستيطاني الصهيوني بأنهم مواطنون عقلانيون وواقعيون يدعمون حق تقرير مصيرهم في إنشاء كيانهم.
ولكن هل هذا بجديد على عودة والحزب الشيوعي الإسرائيلي؟ نهائياً. ذلك هو بالضبط الموقف الذي يحمله الحزب منذ موافقته على حق تقرير المصير للمستوطنين اليهود وقيام دولتهم في فلسطين، وكان ماير فلنر أحد قيادات الحزب في العام 1948 قد مثل الحزب في التوقيع على وثيقة (استقلال المستوطنين). هذا موقف الحزب وما زال ودون رتوش: مجتمع المستوطنين الذي نشأ في فلسطين وبقوة التطهير العرقي والمذابح وعلى حساب 850 ألف فلسطيني مهجَّرين (أي 85% من عموم الشعب آنذاك) يحق له أن يقرر مصيره ويبني دولته! بمعنى آخر فالنكبة عام 1948 هي في الواقع من وجهة نظر عودة، ودون أن يقول، اللحظة التي جسّد فيها المستوطنين اليهود حق تقرير مصيرهم!
ولكن السؤال الذي يبرز سريعاً: طالما أنَّ عودة وحزبه يعترفون بحق تقرير مصير اليهود في فلسطين ببناء دولتهم، فكيف لهم أن يعارضوا قانون القوميَّة، يهودية الدولة؟ أي شعب يعبر عن تقرير مصيره عبر بناء دولته القومية، وبالتالي تغدو الدولة التعبير/ الكيان القومي للشعب، فمن الطبيعي، وفق منطق عودة والشيوعيين الإسرائيليين، أن يكون الكيان ذا (طابع قومي يهودي) باعتباره تجسيداً لحق تقرير المصير.
وفق هذا المنطق، فليبلع عودة كل خطابيَّته الحماسيَّة حول معاداته لمشروع يهوديَّة الدولة، فاعترافه بحق تقرير مصيرهم هو اعتراف بيهوديَّة دولتهم التي تجسّد حق تقرير المصير.
لعودة ورفاقه أن يصرِّحوا ما شاءوا حول تقرير مصير اليهود واعترافهم بالكيان، وليجترّوا تنظيراتهم التبريريَّة لسقطتهم التاريخيَّة تلك، فمصير الكيان سيقرّره تاريخيَّاً شعبنا والشعوب العربيَّة بتحرير فلسطين، وحينها لن يبقى سوى تلك السقطات المشينة التي أدارت ظهرها لحق شعبها في وطنه.