أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأسبوع الماضي قرارًا بقانون ينص على تجديد حالة الطوارئ التي أُعلنت أول مرة مع تسجيل حالات إصابة بفيروس كوفيد-19 (كورونا المستجد). جاء هذا القانون مخالفًا للقانون الأساسي الذي لا يسمح باستمرار حالة الطوارئ لأكثر من 60 يومًا (إعلانها لمدة 30 يومًا، والتجديد لـ 30 يومًا أخرى)، فتم وضع صيغة القانون ليتحايل على ذلك وأُعلنت حالة الطوارئ من جديد للخروج من هذا المأزق. ويأتي هذا التحايل كمحاولةٍ من السلطة لتدارك نفسها شكليًا، وللحفاظ على شكليتها كسلطة أو كدولة. والقانون بوصفه عصا في يد السلطة إلى جانب الهراوة، والذي تستخدمه الآن لكي لا تخسر ما رممته من شرعيةٍ لا يجب أنَّ يجرنا إلى الموقع الذي تريده، بل لا يجب أن يكون مدخل نقدها من الناحية قانونية، فهذا خطاب قاصر يعبر عن علاقات قوة -وأي نقاش يُبنى على ذلك هو على أرضية علاقات القوة وقد يساهم في تحسينها أو يطيل عمرها- خلقتها وفرضتها لاحقًا بالقوة بوصفها محتكرةً للعنف الذي تمارسه علينا في الفضاء الذي تحكمه من شرطي المرور وحتى نهاية المنظومة. هذا الفضاء الذي لا يتجاوز حدود مناطق أ ويتقلص في اقتحامات جيش الاحتلال الذي يعتاد الوقوف على دوار المنارة في رام الله -وهذا حصل في بداية إعلان حالة الطوارئ بعد اقتحام الاحتلال لرام الله وتمركزه أمام المجلس التشريعي أحد مؤسسات دولة السلطة السيادية-.
مع تجديد حالة الطوارئ أعلن رئيس وزراء السلطة محمد اشتية عن تخفيض الإجراءات المتعلقة بالحد من انتشار كوفيد-19، ومن ثم أصدر قرارًا بإلزام من يخرج من منزله بارتداء قفازات وكمامة، ومن لا يمتثل لذلك يعاقب بغرامة لا تقل عن 20 دينار ولا تزيد عن 50. أثار هذا القرار نقاشًا قانونيًا حول عدم شرعية إصدار رئيس الوزراء لأي عقوبة بحسب القانون الأساسي، هذا القانون نفسه الذي تم التحايل عليه قبل أقل من 24 ساعة بتجديد حالة الطوارئ. وردًا على سؤال أحد الصفيين حول قانونية تجديد/ تمديد حالة الطوارئ، أجاب الناطق باسم وزارة الداخلية خلال الإيجاز الصحفي بأنَّه تجديد وليس تمديد ليحسم الجدل ليظهر وضوح التحايل الذي حصل على القانون. ورغم ما أشرنا إليه في البداية حول القانون، إلاّ أنَّ السلطة تضع القانون دائمًا على المحك وتعريه للناس وهذا مهم لفهم البنية القانونية للسلطة التي تمارَس علينا.
لنعود إلى الكمامات، هل تحمينا الكمامة حقًا من الإصابة بالفيروس؟ في خانة استحدثتها منظمة الصحة العالمية على موقعها من أجل نشر معلومات صحيَّة حول كوفيد-19، وضعت عنوانًا *”كيف ومتى تستعمل الكمامة؟”، أول نقطة فيه “إذا كنت بصحة جيدة، فليس عليك أن ترتدي كمامة إلا إذا كنت تسهر على رعاية شخص تُشتَبه إصابته بعدوى فيروس كورونا المستجد”. يبدو أنَّ وزارة الصحة ورئيس الوزراء الذين رفعوا توصيةً بتجديد حالة الطوارئ وتباهوا طوال أسابيع بشهادة منظمة الصحة العالمية -غير الموجودة في مكان إلا في تصريحاتهم- على فاعلية الإجراءات في مناطق السلطة لم يطالعوا موقع منظمة الصحة العالمية ويبحثوا عن معلومة بسيطة منشورة على الموقع منذ 3 أشهر على الأقل، هذا يفتح السؤال حول مصيرنا الصحي من وزارة لا تتابع أبسط التعليمات المنشورة حول الفيروس.**
ويطرح تخفيف الإجراءات الذي أعلن عنه اشتية عدة أسئلة، حول التسهيلات وجدواها على عمال المياومة وسائقي سيارات النقل العام الذين تعطلوا عن أعمالهم منذ ما يقارب الشهرين. يقول ***أحد السائقين “عندي عشرة في الدار وإلي شهرين قاعد، وصاروا يقولولنا في تسهيلات، وين التسهيلات؟ وبعدين مشفناش اشي لا من اللجنة الشعبية ولا من شتية ولا من حدا، يعني أنا شوفير اشتغلت اليوم بوكل ما اشتغلتش بوكلش” أما سائق آخر فيقول “بتقلك الحكومة البس كمامات وبدنا نخالفك 25 دينار، يا سيدي يعني مضلش فيها يا دكتور محمد، فش لا 25 دينار ولا في اشي، ولا أي إجراء كان يصب في مصلحة المواطن… طعمونا إعلام، أعطونا من وقفة عز إعلام، الشؤون الاجتماعية برضو بالإعلام، مشفناش إشي، أنا بدي اشوف بأرض الواقع… يا أخي احنا بدنا نموت وهم يحطوا حالهم في قصور وإحنا خلي الكورونا توكلنا اللي يعيش يعيش واللي يموت يموت، احنا هيك هيك ميتين…هي الصيدلية وأنا الآن بتحدى إذا فيها كمامة، وينزل وزارة الاقتصاد اللي سعَّرت الكمامة بشيكل ونص وقلك أنا ببيعك إياها بخمسة بدك بدك بدكش مع سلامة أو بتجيب شريطة اللي بتغنيش عن اشي”، وقال آخر “إلنا اربع شهور ما جبنا شيكل، وفي الصيدليات بطلبوا عشرين شيكل للكمامة”.
القصد مما سبق، أنَّه من المهم تفكيك كافة بنى السلطة، أي سلطة، لكي نستطيع فهمها بدايةً ولكشف دور مؤسسات قد نعتقد أنَّها محايدة مثل المدارس والإعلام التي يصفها ألتوسير بأجهزة الدولة الإيديولوجية، لنفي أي صفة حياد على أي ممارسة تصدر من السلطة في الفضاء العام، ومن ثم النظر إليها بشكل كلي يعيد جمعها ويموضعها في سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ففي سياقنا يمكن أن يتحول التنسيق الأمني إلى مسمى تنسيق طبي من أجل تبريره، وهي حجة ساقتها السلطة في محاولة لتبرير التنسيق الأمني سابقًا بدعوى التنسيق المدني (التصاريح، التحويلات الطبية،..).
هذا كله يعيدنا إلى النقطة الأولى، فإلزام السلطة كل من يرغب في الخروج من بيته بشراء كمامة، والخروج هنا ليس رفاهيةً بل من أجل توفير احتياجات أساسية أو للعمل، لا يجب أن نتعاطى معه بصورةٍ مُجرَّدة، فالعامل/ ة الذي لم يتقاضَ أجرًا منذ شهرين سيكون لديه العديد من الأولويات لتوفيرها قبل الكمامة –هذا مهم كي لا يتم اتهام الناس بعدم المسؤولية والاستهتار عندما تخرج بدون كمامات-.
وهو ما ينطبق على العمال في الأراضي المحتلة أو “الخاصرة الرخوة” كما كان يحلو لإبراهيم ملحم تسميتهم، فقد تم شيطنتهم، ولاحقًا تهديدهم بالاعتقال هم وعائلاتهم –راجع تصريحات محافظ سلفيت- بصفتهم ناقلي الوباء إلى مناطق السلطة، في محاولةً منها لتدارك أي انهيار وتفشي للفيروس في مناطقها، الأمر الذي قد يعرّي سنوات من إهمالها للقطاع الصحي كما التعليم والزراعة لصالح الأمن الذي يواجه الفيروس الآن على حواجز المحبة على مداخل مناطق السلطة. وأيضًا من أجل الحفاظ على صورة انتصارها على الفيروس وعلى الإجراءات التي اتخذتها لمواجهته –لو كان يصح أنَّ نسمي الطلب من الناس الجلوس في بيوتهم دون توفير أي شبكة أمان أو إصلاح بنيوي للمنظومة الصحية بالإجراء-. وهذا كله ساهم فيه الإيجاز الصحفي اليومي الذي حقق فيه الناطق باسم الحكومة ميدانيًا مع أحد الصحفيين حول مكان عمله، ومن ثم أغرقنا بالشعر والبلاغة في محاولةً للتهرب من الإجابة على الأسئلة. وظاهرة الحكومة الصوتية أي الإيجاز وصفه اشتية بالمجلس التشريعي الذي يمثل فيه الصحفيين المواطنين في ظل غياب/ تغييب المجلس التشريعي وهو نفسه الإيجاز الذي أعلن اشتية عن توقفه، بمنطق السلطة هذا تعطيل جديد للمجلس التشريعي.
الطارئ وهو الفيروس في حالتنا لا يجب أنَّ ينسينا الأصيل -من عكس الطارىء-، وحالة الهلع التي خلقتها السلطة واستغلالها لها هو ما أشعرنا أنَّ الخطر مُحدق وأنَّ الفيروس على الأبواب وأنَّ كل ما تنفذه من سياسات على الأرض هو شرعي ومحق لحمايتنا. ما تنفذه السلطة من ممارسات تحتال فيها على الواقع ليس استثناءً، فنحن في حالة استثناء منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وفي استثناء أكبر منذ بدايات المشروع الصهيوني على أرض هذه البلاد. الكمامات لا تحمينا من الفيروس ولا من الاحتلال إلاّ من قنابل غازه، لكنها قد تحمي الناس من غرامةٍ مالية توقعها السلطة عليهم وهم مثقلون اقتصاديًا بعد شهرين من السياسات غير المدروسة التي نفذت علينا.
*نصائح للجمهور عن فيروس كورونا المستجد (2019-nCoV): كيف ومتى تستعمل الكمامة https://bit.ly/2WY7wyV
**النقاش حول جدوى الكمامات هو نقاش طبي بالأساس وفيه اختلاف، والمقال لا يناقش هذه الجزئية من ناحية طبية.
*** الاقتباسات التالية من بث مباشر لراديو أجيال https://bit.ly/3dNHogT