في مثل هذه الأيام من العام، تكون جامعة بيرزيت وحركتها الطلابية في مرحلة الاستعداد لعقد انتخابات مجلس طلبتها، شارع الآداب مليء في الأعلام، وكوادر الحركة الطلابية يطوفون الجامعة من أجل إقناع الطلبة بانتخاب كتلهم، وتطغى الانتخابات ومجلس الطلبة على الأحاديث، وقد تتحول محاضرات كاملة إلى جدال حول الانتخابات ينخرط فيه الطلبة والمحاضر بنفس القدر.
هذه الأجواء ليست غريبة على طلبة جامعة بيرزيت بالمجمل، فهم عايشوها وانخرطوا فيها، ولكنها الآن غريبة عن ما يقارب النصف من طلبة الجامعة -سنة أولى وثانية لم يمروا في هذه التجربة-، فمع انتشار فيروس كورونا انقطع التواصل بين الطلبة وحيز الجامعة، وتحول التعليم من الوجاهي إلى التعليم عن بعد للحد من تفشي فيروس كورونا.[1] لا تقتصر نتائج هذا القرار على الطلبة الجدد فقط، وإنما على كل طلبة الجامعة بمختلف سنواتهم الدِراسية، إلّا أن الانعكاس المباشر والخاصّ على الطلبة الجدد يكمن في انقطاعهم عن التواجد في الجامعة والاحتكاك المباشر بالحركة الطلابية، وعدم معايشتهم تجربة انتخابات مجلس الطلبة.
تحول الحيز الرقمي مكانًا لتفاعل الطلبة، حول قضاياهم ومشاكلهم، ومنصةً للحركة الطلابية تتفاعل فيها مع الطلبة وتعمل على مساعدتهم وتتعامل مع ما يستجد من مشاكل المحاضرات نتيجة عدم وجود بنية تحتية مؤهلة للانترنت، أو صعوباتٍ في تسجيل المساقات، ومواعيد المحاضرات، وعقد الامتحانات الالكترونية في أيام العُطل، وكيفية تعامل المُحاضرين والمحاضرات معهم نتيجة صعوبات التواصل المباشر فيما بينهم، هذه القضايا هي التي شغلت الطلبة، في ما بقيت قضية مجلس الطلبة وغياب الانتخابات على هامش النقاش.
من جانبها، لم تحفّز الحركة الطلابية هذا النقاش، ولم تعلن لطلبة أو تشركهم في حوارها الداخلي حول موقفها الرسمي من غياب مجلس الطلبة، أو النقاشات حول طريقة التعاطي مع الانتخابات في ظل انتشار كورونا. رغم ذلك وعند سؤالها عن موقفها فهي ترفض عدم الذهاب نحو انتخابات مجلس الطلبة وتعلن عن استعدادها لمواجهة إدارة الجامعة في حال قررت عدم السماح بإجرائها خلال الفترة القادمة، أو تحويلها إلى إلكترونية. أما إدارة الجامعة لا ترفض صراحةً عدم إجراء انتخابات مجلس طلبة وإنما تعمل وفق القرارات الحكومية الخاصة بانتشار فيروس كورونا في ما يتعلق بالتجمعات ودوام المؤسسات التعليمية، لذلك فإن موضوع إجراء الانتخابات مِن عدمه مرتبط في انتشار فيروس كورونا وقرارات الحكومة.
في السياق ذاته، فإن الحركة الطلابية أيضاً لم تُخرِج موضوع نقاش الانتخابات لحيز الطلبة الرقمي بسبب معرفتها بقرارات الحكومة في ما يتعلق بالتجمعات، واستحالة الذهاب في خيار الانتخابات في ظل حالات الإغلاق المتكررة، وتفاقم الوضع الوبائي، كما أشارت إلى ذلك عند سؤالها عن الانتخابات[2]. كما أن القضايا التي تتعامل معها في ظل انتشار كورونا خلال فترة السنة والنصف تقريبا اختلفت تمامًا عما قبلها، بسبب استحداث مشاكل جديدة وُجب على الأطر الطلابية معالجتها، منها: آلية تقديم الامتحانات الالكترونية وموعد إجرائها، ضعف التقنيات الالكترونية، مشاكل الطلبة مع الأساتذة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المتكرّر في بعض المناطق. ما دفع قضية انتخابات مجلس الطلبة إلى أسفل سلم الأولويات، وحول اهتمام الحركة الطلابية نحو هذه المشاكل النقابية الجديدة التي أصبحت تتعامل معها. كما غيّبت نقاشات وقضايا أخرى كانت تطرحها الحركة الطلابية باستمرار.
رغم كل ما يحصل إلّا أنَّ التفكير في مجلس الطلبة لم يخرج من حيز التنافس الضيق دون إشراك الطلبة في أي نقاش، فقد قدم اقتراح تشكيل المجلس في ظل أزمة كورونا على أساس المحاصصة، أي بإبقاء ترتيب لجان المجلس وفق دورته الأخيرة، وتقسيم رئاسة المجلس إلى دورتين بين الكتلة الإسلامية، وحركة الشبيبة الطلابية. إلّا أن عمادة شؤون الطلبة رفضت أن يتم تشكيل المجلس بهذا الشكل، وأكدت على أن تشكيل المجلس يتم من خلال الانتخاب المباشر فقط.
بناءً على ذلك، منحت الأطر الطلابية صلاحيات اللجان التحضيرية، من أجل عملها خلال هذه الفترة إلى أن تتاح إمكانية إقامة الانتخابات. إن التحول في أولويات الأعمال النقابية للحركة الطلابية منذ بداية أزمة فيروس كورونا وخلالها، يتمثل ببروز مشكلات جديدة تُضاف إلى مشكلات الطلبة السابقة، إن هذه الإضافة المستحدثة بحكم الظرف الصحي لا تلغي ما قبلها مِن مشاكل ولا تُشكل أعمال جديدة بعدم وجود حلول جذرية لما سبقها أيضا، وإنما تمثل شكلا جديداً أضيف إلى التراكمات الأولية، مفرزة مشاكل نقابية مختلفة عما سبقها بهيكلية جديدة لنمط جديد من التفاعل بين فواعل الجامعة مِن طلبة وإدارة يتعاملون معها، يتركز بدوره في الحيز الرقمي بشكل أساسي كحاضنة له، يتمثل الحد الأساسي لهذا التفاعل بغياب أو قطع التواصل المباشر في حرم الجامعة بين الطلبة وممثليهم في الحركة الطلابية وتحويله إلى تواصل رقمي.
تحول الاهتمام -ولو مؤقتًا- من قبل الحركة الطلابية عن المشاكل والأزمات السابقة لما قبل كورونا، ولم تعد أولويةً أو ساحةً للنقاش أو السجال مع الإدارة، ومع ذلك فهي موجودة، تتراكم وتتفاقم بالطبع، وهي تعبر عن الأزمة البنيوية التي تعاني منها الحركة الطلابية. الأزمة التي خلقها فيروس كورونا لم تكن سوى الأزمة التي عرَت الأزمات والتخبطات التي تمر بها الحركة الطلابية. لذلك لا يمكن قراءة التخبط الذي تمر به الحركة الطلابية باعتباره نتاج أزمة فيروس كورونا فقط، بمعزل عما مرت به الأطر الطلابية خلال عام 2019 وما قبله، وتحديداً استهدافها من قبل قوات الاحتلال الصهيوني واعتقال 76 طالبةً وطالبًا، إلى قضايا عالقة ومتراكمة طوال الوقت.
إلى جانب كل ذلك، فإن غياب الطلبة عن نقاشات الانتخابات ومجلس الطلبة هو إشارة للمسافة الكبيرة التي تفصل الطرفين عن بعضهم البعض والقدرة على التفاعل وتشكيل علاقة تكاملية، كما أنه تعبير عن افتقار الحركة الطلابية لوضع خطة حقيقية، عدم إشراك الطلبة بهذا النقاش هو نتاج غياب البدائل والخطط لدى الحركة الطلابية، وربط القضية بالحالة الصحية فقط، كسبب ونتيجة.
لذلك فإن إثارة التساؤلات حول انتخابات مجلس الطلبة تصبح حاجة ضرورية ربما تشكل دافعًا للحركة الطلابية من أجل إعادة ترتيب أوضاعها وطريقة عملها أو إعادة جزء من فاعليتها، بدلا من ركونها إلى خيار الاعتصامات الفصلية كشكل وحيد للتفاوض مع الجامعة، دون أي تخطيط أو متابعة أو تراكم. يأتي ذلك في ظل سعي إدارة الجامعة السابقة في التضييق على الحركة الطلابية داخل الجامعة وتغيير بنيتها وذلك بتقليص عمل الحركة الطلابية النقابي وتحويله إلى جزء من عمل رؤساء النوادي وذلك بتوسيع صلاحيات عملهم[3] -رغم ذلك تسابقت الحركة الطلابية مع ذلك وكانت تقع في تنافس الوصول لهذه النوادي- بالإضافة إلى التحكم في آلية تمثيل وعرض الكتل الطلابية لنفسها.
في النهاية، وفي خضم الحديث عن التغيرات التي تحدث في الحركة الطلابية، فإن أثر هذه التغيرات وعلى رأسها عدم وجود مجلس طلبة الجامعة كممثل لكافة الطلبة منذ سنة وثلاثة أشهر، لا ينعكس عليها فقط وإنما ينعكس على الطلبة الجدد بشكل أساسي، فهؤلاء الطلبة الذين لم يكونوا في حيز الجامعة وقطعوا عن التواصل المباشر مع الحركة الطلابية، ولم يعيشوا أجواء الأنشطة الطلابية التي كانت تحدث ولم يكونوا بشكل مستمر في حرم الجامعة، بل واجهوا إضافةً إلى المشاكل الأكاديمية المرتبطة بالتقسيط وبرامجهم الأكاديمية، نوعاً جديداً من المشاكل التي أفرزتها أزمة فيروس كورونا مثل مشاكل في التعليم الالكتروني وصعوبة التفاهم والتواصل سواء مع ممثلين الكتل الطلابية أو مع المًحاضِرين.
إذًا، كيف سوف يتبلور لدى هؤلاء الطلبة معنى النشاط الطلابي وأهميته؟ وما البديل الذي سوف يبني معنى الأعمال التعاونية وحب الأرض لهم؟ وكيف سيرون النضال الوطني الذي يؤسس جذوره العمل الطلابي الذي لم يتصلوا به بعد؟
هوامش:
[1] أنظري إلى: قرار إدارة الجامعة بتعطيل أعمالها بتاريخ 7-3-2020 التزاماً بحالة الطوارئ المعلنة من قبل رئيس السلطة الفلسطينية وقرار الحكومة الفلسطينية بتعطيل الدوام في المؤسسات التعليمية ومنها الجامعات. https://bit.ly/3f8f8cG وفيما يلي قرار مجلس الجامعة بتاريخ 9-3-2020 حول آلية التعليم في ظل أزمة فايروس كورونا: https://bit.ly/3eV1YQq
[2] المعلومات في هذا التقرير، بناءً على مقابلات مع منسقي الكُتل الطلابية في جامعة بيرزيت.
[3] بناءً على مقابلة بتاريخ 7.5.2020 مع منسق حركة الشبيبة الطلابية في السنة الدراسية 2018-2019.